الحذق في التّوليف بين مجموعة من الواجبات.
وهكذا يستطيع كلّ فرد أن يؤلف بكلّ حرية صفحة أصيلة من حياته الأخلاقية ، وإن كان يحترم القواعد العامة لهذا الفن الإنساني. وكيف نطالب بقدر أكبر من الحرية ، تستهدف تفجير هذه الأطر ، دون أن ننحدر إلى الفساد ، أو إلى الجنون؟. إنّ ذلك هو ما يجب أن تجنبنا إياه كلّ حكمة تشريعية ، جديرة باسمها ، حين ترسم لنا الخطوط العريضة لسلوكنا. أمّا ما لا يجب أن تفعله ، مخافة أن تنتهك حقنا الطّبيعي ، وتردنا إلى الخضوع الذليل والآلي ـ فهو أن تقحم نفسها في تفصيل أعمالنا ، الّتي نأتيها بفطرتنا ، كلّ على هواه.
فالجانب الّذي يخصنا من تشريع تكاليفنا هو ـ منذئذ ـ محدد تماما.
نحن لا نوجد قواعد الشّريعة ، وإنّما نتناولها جاهزة ، صراحة ، أو ضمنا ، من يدي مشرعنا. أمّا تحديد واجباتنا المادية فنحن نقوم به إبتداء من هذه المثل العليا ، بقدر وسعنا. ذلكم هو الوضع المعقول ، والميسّر ، الّذي يتخذه ، كما نرى ، التّكليف الأخلاقي في القرآن. فهو يضع الإنسان في مكانه الصّحيح ، وفي الظّروف الّتي تناسبه على وجه التّحديد ، ما بين الفطرة ، والعقل المحض.
وحين كان برجسون يعتقد أنّه كشف نوعين للأخلاق ، أحدهما : ذو طابع إلزامي ، والآخر : ذو طابع إبداعي ، فإنّه لم يزد على أن أحدث فصلا مصطنعا بين عنصرين لا ينفصمان لحقيقة واحدة في كلتا الحالين.
إنّ الأخلاقية الحقة ليست خضوعا محضا ، ولا إبتكارا مطلقا ، هي هذا وذاك في وقت واحد. والموقف ليس موقف عبد مسترقّ ، ولا موقف سيّد مطلق ، بل هو موقف مواطن يشارك بقدر معين في السّلطة التّشريعية بالإختيار ، والمبادرة