المذنبين : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١) ، أو حين يعلن أيضا أنّ شيئا في هذا الكون لا يستطيع أن يعارض ما فرض علينا من التّكاليف الشّاقة ، ولا ما أبتلانا به من تصاريف مغمّة : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) (٢) .. أليس واضحا أنّ هذه الصّورة الشّرطية لم تتغير مطلقا إلى مضارع الحال؟ .. ومن الممكن كذلك أن نؤكد أنّها لن تتغير أبدا من حيث إنّ الله سبحانه قال : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (٣) ..
وإذن ، فبدلا من أن يؤكد الأشاعرة القدرة الإلهية الكاملة ، الّتي غاب عن المعتزلة تأكيدها ، وبدلا من أن يجعلوها في مقابل الحكمة الّتي حاول المعتزلة إبرازها ـ نجدهم بدافع الحمية ، وقلة الحنكة النّظرية ـ قد ألغوا تقريبا الحكمة من أجل القدرة. بحيث لم يحتفظوا منها إلّا بالاسم وحسب.
فعند ما نجد عملا محكم التّدبير ، كامل التّنظيم ، بحيث يكون لكلّ جزء وظيفته داخل المجموع ، أو عند ما نرى أنّ واقعا قد انته إلى نتائج طيبة ، فإنّ العادة قد جرت على أن نفسر الأمور بعضها ببعض ، وأن نحمل هذه العلاقة في المكان ، أو في الزّمان ، وهذا التّضامن البنائي ، أو هذا التّتابع التّأريخي ، على غاية مقصودة.
قال الأشاعرة : هذا تشبيه!! فإنّ هذا التّفسير الإنساني لا يصدق على الأمر الإلهي ، حيث لا موضع لإفتراض وجود غاية ، بحسب مذهبهم ، والله يفعل ما
__________________
(١) المائدة : ١٧.
(٢) البقرة : ٢٢٠.
(٣) الأنعام : ١٢.