(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ) (٥)
ففروا وهلكوا ، وما مات أبرهة حتى انصدع صدره عن قلبه وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي ، فقصّ عليه القصة ، فلما أتمّها وقع عليه الحجر فخر ميتا بين يديه.
وروي أن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير فخرج إليه فيها ، فعظم في عينه وكان رجلا جسيما وسيما ، وقيل هذا سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رؤوس الجبال ، فلما ذكر حاجته قال : سقطت من عيني جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ودين آبائك وشرفكم في قديم الدهر فألهاك عنه ذود أخذ لك فقال : أنا ربّ الإبل وللبيت ربّ سيمنعه (١).
٢ ـ ٥ ـ (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) في تضييع وإبطال ، يقال ضلّل كيده إذا جعله ضالا ضائعا ، وقيل لامرىء القيس (٢) : الملك الضليل لأنه ضلّل ملك أبيه أي ضيعه ، يعني أنهم كادوا البيت أوّلا ببناء القلّيس ليصرفوا وجوه الحاجّ إليه ، فضلّل كيدهم بإيقاع الحريق فيه ، وكادوه ثانيا بإرادة هدمه فضلّل كيدهم بإرسال الطير عليهم (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) حزائق (٣) ، الواحدة إبالة قال الزجاج : جماعات من ههنا وجماعات من ههنا (تَرْمِيهِمْ) وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه يرميهم أي الله ، أو الطير لأنه اسم جمع مذكر وإنما يؤنث على المعنى (بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) هو معرب من سنككل وعليه الجمهور ، أي الآجرّ (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) زرع أكله الدود.
__________________
(١) الطبري في حديث طويل عن ابن إسحاق.
(٢) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي ، أشهر شعراء العرب على الإطلاق كان أبوه ملك أسد وغطفان فلما قتل تولى الملك وثأر لأبيه ولد نحو ١٣٠ ق. ه ومات ٨٠ ق. ه (الأعلام ٢ / ١١).
(٣) حزائق : جماعات.