(إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (١٢) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (١٣) فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (١٤) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضَى) (٢١)
بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) بالإسلام أو الجنة (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) للخلة المؤدية إلى النار ، فتكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشدّه ، أو سمّى طريقة الخير باليسرى لأن عاقبتها اليسر وطريقة الشر بالعسرى لأن عاقبتها العسر ، أو أراد بهما طريقي الجنة والنار (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) ولم ينفعه ماله إذا هلك ، وتردى تفعّل من الردى وهو الهلاك ، أو تردى في القبر ، أو في قعر جهنم أي سقط.
١٢ ـ ١٦ ـ (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) إن علينا الإرشاد إلى الحق بنصب الدلائل وبيان الشرائع (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) فلا يضرنا ضلال من ضلّ ولا ينفعنا اهتداء من اهتدى ، أو أنهما لنا فمن طلبهما من غيرنا فقد أخطأ الطريق (فَأَنْذَرْتُكُمْ) خوّفتكم (ناراً تَلَظَّى) تتلهب (لا يَصْلاها) لا يدخلها للخلود فيها (إِلَّا الْأَشْقَى* الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) إلا الكافر الذي كذّب الرسول (١) وأعرض عن الإيمان.
١٧ ـ ٢١ ـ (وَسَيُجَنَّبُهَا) وسيبعد منها (الْأَتْقَى) المؤمن (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ) للفقراء (يَتَزَكَّى) من الزكاء ، أي يطلب أن يكون عند الله زاكيا لا يريد به رياء ولا سمعة ، أو يتفعل من الزكاة ، ويتزكى إن جعلته بدلا من يؤتي فلا محلّ له لأنه داخل في حكم الصلة ، والصلات لها محل لها ، وإن جعلته حالا من الضمير في يؤتي فمحلّه النصب ، قال أبو عبيدة : الأشقى بمعنى الشقي وهو الكافر والأتقى بمعنى التقي وهو المؤمن لأنه لا يختص بالصّلي أشقى الأشقياء ولا بالنجاة أتقى الأتقياء ، وإن زعمت أنه نكّر النار فأراد نارا مخصوصة بالأشقى فما تصنع بقوله : وسيجنبها الأتقى ، لأن التقيّ يجنب تلك النار المخصوصة لا الأتقى منهم خاصة ، وقيل الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين فأريد أن يبالغ في صفتيها فقيل الأشقى وجعل مختصا بالصّلي كأن النار لم تخلق إلا له ، وقيل الأتقى وجعل مختصا بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له ، وقيل هما أبو جهل وأبو بكر ، وفيه بطلان زعم المرجئة لأنهم يقولون لا يدخل النار إلا كافر (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى * إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ) أي وما لأحد عند الله
__________________
(١) في (ز) الرسل.