(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (١١) وَيَصْلَى سَعِيرًا (١٢) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ (١٤) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (١٥) فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ)(١٩)
إلى لقاء ربّك ، وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء (فَمُلاقِيهِ) الضمير للكدح وهو جهد النفس في العمل والكدّ فيه حتى يؤثر فيها ، والمراد جزاء الكدح إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وقيل لقاء الكدح لقاء كتاب فيه ذلك (١) يدل عليه قوله (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) أي كتاب عمله (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) سهلا هينا وهو أن يجازى على الحسنات ويتجاوز عن السيئات. وفي الحديث : (من يحاسب يعذّب) (٢) فقيل : فأين قوله فسوف يحاسب حسابا يسيرا؟ قال : ذلكم العرض من نوقش في الحساب عذّب (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ) إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين ، أو إلى فريق المؤمنين ، أو إلى أهله في الجنة من الحور العين (مَسْرُوراً) فرحا.
١٠ ـ ١٥ ـ (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) قيل تغلّ يمناه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) يقول يا ثبوراه ، والثبور الهلاك (وَيَصْلى) عراقي غير عليّ (سَعِيراً) أي ويدخل جهنم (إِنَّهُ كانَ) في الدنيا (فِي أَهْلِهِ) معهم (مَسْرُوراً) بالكفر يضحك ممن آمن بالبعث ، قيل كان لنفسه متابعا وفي مراتع هواه راتعا (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) لن يرجع إلى ربّه تكذيبا بالبعث ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما عرفت تفسيره حتى سمعت أعرابية تقول لبنتها حوري أي ارجعي (بَلى) إيجاب لما بعد النفي في لن يحور ، أي بلى ليحورنّ (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ) وبأعماله (بَصِيراً) لا يخفى عليه فلا بدّ أن يرجعه ويجازيه عليها.
١٦ ـ ١٩ ـ (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) فأقسم بالبياض بعد الحمرة أو الحمرة (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) جمع وضمّ ، والمراد ما جمعه من الظلمة والنجم ، أو ما عمل فيه من التهجد وغيره (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) اجتمع وتم بدرا ، افتعل من الوسق (لَتَرْكَبُنَ) أيها الإنسان على إرادة الجنس (طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) حالا بعد حال ، كلّ واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول ، والطبق ما طابق غيره ، يقال : ما هذا بطبق لذا ، أي لا يطابقه ، ومنه قيل للغطاء الطبق ، ويجوز أن يكون جمع طبقة وهي المرتبة من قولهم هو على طبقات أي لتركبن أحوالا بعد أحوال هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض ،
__________________
(١) زاد في (ز) الكدح.
(٢) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.