(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٤) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٥) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ(٦) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (٧)
٣ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) بالحكمة البالغة وهو أن جعلها مقارّ المكلّفين ليعملوا فيجازيهم (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) أي جعلكم أحسن الحيوان كلّه وأبهاه ، بدليل أنّ الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور ، ومن حسن صورته أنه خلق منتصبا غير منكب ، ومن كان دميما مشوه الصورة سمج الخلقة فلا سماجة ثمّ ، ولكن الحسن على طبقات فلانحطاطها عما فوقها لا تستملح ولكنها غير خارجة عن حدّ الحسن. وقالت الحكماء : شيئان لا غاية لهما ، الجمال والبيان (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) فأحسنوا سرائركم كما أحسن صوركم.
٤ ـ (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) نبه بعلمه ما في السماوات والأرض ، ثم بعلمه بما يسرّه العباد ويعلنونه ، ثم بعلمه بذات الصدور أنّ شيئا من الكليات والجزئيات غير خاف عليه فحقّه أن يتّقى ويحذر ولا يجترأ على شيء مما يخالف رضاه ، وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد ، وكلّ ما ذكره بعد قوله فمنكم كافر ومنكم مؤمن في معنى الوعيد على الكفر وإنكار أن يعصى الخالق ولا تشكر نعمته.
٥ ـ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) الخطاب لكفار مكة (نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) يعني قوم نوح وهود وصالح ولوط (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أي ذاقوا وبال كفرهم في الدنيا (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في العقبى.
٦ ـ (ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من الوبال الذي ذاقوه في الدنيا وما أعدّ لهم من العذاب في الآخرة (بِأَنَّهُ) بأنّ الشأن والحديث (كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات (فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) أنكروا الرسالة للبشر ولم ينكروا العبادة للحجر (فَكَفَرُوا) بالرسل (وَتَوَلَّوْا) عن الإيمان (وَاسْتَغْنَى اللهُ) أطلق ليتناول كلّ شيء ، ومن جملته إيمانهم وطاعتهم (وَاللهُ غَنِيٌ) عن خلقه (حَمِيدٌ) على صنعه.
٧ ـ (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي أهل مكة ، والزعم ادعاء العلم ويتعدى تعدي العلم