(إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (٤)
إليهم أسرار رسول الله بسبب المودة ، وهو استئناف (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) والمعنى أيّ طائل لكم في إسراركم وقد علمتم أنّ الإخفاء والإعلان سيان في علمي وأنا مطلع رسولي على ما تسرّون (وَمَنْ يَفْعَلْهُ) أي هذا الإسرار (مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) فقد أخطأ طريق الحقّ والصواب.
٢ ـ (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) خالصي العداوة ، ولا يكونوا لكم أولياء كما أنتم (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) بالقتل والشتم (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) وتمنّوا لو ترتدّون عن دينكم ، فإذا موادّة أمثالهم خطأ عظيم منكم ، والماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع ففيه نكتة ، كأنه قيل ودّوا قبل كلّ شيء كفركم وارتدادكم ، يعني أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضارّ الدنيا والدين من قتل الأنفس وتمزيق الأعراض ، وردّكم كفارا أسبق المضارّ عندهم وأولها ، لعلمهم أنّ الدين أعزّ عليكم من أرواحكم ، لأنكم بذّالون لها دونه ، والعدو أهم شيء عنده أن يقصد أهم شيء عند صاحبه.
٣ ـ (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ) قراباتكم (وَلا أَوْلادُكُمْ) الذين توالون الكفار من أجلهم وتتقربون إليهم محاماة عليهم ، ثم قال (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) وبين أقاربكم وأولادكم ، (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) (١) الآية فما لكم ترفضون حق الله مرعاة لحقّ من يفرّ منكم غدا. يفصل عاصم. يفصّل حمزة وعلي والفاعل هو الله عزوجل ، يفصّل ابن ذكوان ، غيرهم يفصل (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيكم على أعمالكم.
٤ ـ (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ) قدوة في التبرّي من الأهل (حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ) أي في أقواله ، ولهذا استثنى منها إلا قول إبراهيم (وَالَّذِينَ مَعَهُ) من المؤمنين ، وقيل
__________________
(١) عبس ، ٨٠ / ٣٤.