دِيارِهِمْ) بالمدينة ، واللام في (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) تتعلق بأخرج ، وهي اللام في قوله تعالى : (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) (١) ، وقوله (٢) جئته لوقت كذا ، أي أخرج الذين كفروا عند أول الحشر ، ومعنى أول الحشر أنّ هذا أول حشرهم إلى الشأم ، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط (٣) ، وهم أول من أخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشأم ، أو هذا أول حشرهم ، وآخر حشرهم إجلاء عمر إياهم من خيبر إلى الشام ، أو آخر حشرهم حشر يوم القيامة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : من شكّ أنّ المحشر بالشأم فليقرأ هذه الآية ، فهم الحشر الأول وسائر الناس الحشر الثاني وقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما خرجوا : (امضوا فإنكم أول الحشر ونحن على الأثر) (٤). قتادة : إذا كان آخر الزمان جاءت نار من قبل المشرق فحشرت الناس إلى أرض الشأم وبها تقوم عليهم القيامة (٥). وقيل معناه أخرجهم من ديارهم لأول ما حشر لقتالهم ، لأنه أول قتال قاتلهم رسول صلىاللهعليهوسلم (ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) لشدة بأسهم ومنعتهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعدّتهم (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) أي ظنوا أنّ حصونهم تمنعهم من بأس الله ، والفرق بين هذا التركيب وبين النظم الذي جاء عليه أن في تقديم الخبر على المبتدأ دليلا على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم ، وفي تصيير ضميرهم اسما لأن في إسناد الجملة إليه دليلا (٦) على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في مغازّتهم (٧) ، وليس ذلك في قولك وظنوا أنّ حصونهم تمنعهم (فَأَتاهُمُ اللهُ) أي أمر الله وعقابه ، وفي الشواذ فآتاهم الله أي فأتاهم الهلاك (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) من حيث لم يظنوا ولم يخطر ببالهم ، وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف غرّة على يد أخيه رضاعا (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) الخوف (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) يخرّبون أبو عمرو ، والتخريب والإخراب الإفساد بالنقض والهدم ، والخربة الفساد ، وكانوا يخرّبون بواطنها والمسلمون ظواهرها لما أراد الله من استئصال شأفتهم وأن لا تبقى لهم بالمدينة دار ولا منهم ديّار ، والذي دعاهم إلى التخريب حاجتهم إلى الخشب والحجارة ليسدوا بها أفواه الأزقة ، وأن لا يتحسروا بعد جلائهم على بقائها مساكن للمسلمين ، وأن ينقلوا معهم ما كان في أبنيتهم من جيد الخشب والساج ، وأما المؤمنون فداعيهم إلى
__________________
(١) الفجر ، ٨٩ / ٢٤.
(٢) في (ز) وقولك.
(٣) الطبري عن الزهري.
(٤) الطبري عن الحسن.
(٥) في الباب عن ابن عمر رواه أحمد وأبو يعلى وابن عساكر وابن حبان.
(٦) في (ظ) و (ز) لأن وإسناد الجملة إليه دليل.
(٧) في (ز) مغازاتهم.