(الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٣)
٢ ـ (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ) عاصم ، يظّهّرون حجازي وبصري ، غيرهم يظّاهرون ، وفي (مِنْكُمْ) توبيخ للعرب ، لأنه كان من أيمان أهل جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم (مِنْ نِسائِهِمْ) زوجاتهم (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) أمهاتهم المفضل ، فالأول حجازي والثاني تميمي (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) يريد أنّ الأمهات على الحقيقة الوالدات ، والمرضعات ملحقات بالوالدات بواسطة الرضاع ، وكذا أزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم لزيادة حرمتهن ، وأما الزوجات فأبعد شيء من الأمومة ، فلذا قال (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ) تنكره الحقيقة والأحكام الشرعية (وَزُوراً) وكذبا باطلا منحرفا عن الحق (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) لما سلف منهم.
٣ ـ (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) بيّن في الآية الأولى أنّ ذلك من قائله منكر وزور ، وبيّن في الثانية حكم الظهار (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) العود الصيرورة ابتداء أو بناء ، فمن الأول قوله تعالى : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (١) ومن الثاني : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) (٢) ويعدّى بنفسه كقولك عدته إذا أتيته وصرت إليه ، وبحرف الجر بإلى وعلى وفي واللام كقوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) (٣) ومنه : ثم يعودون لما قالوا ، أي يعودون لنقض ما قالوا ، أو لتداركه على حذف المضاف ، وعن ثعلبة : يعودون لتحليل ما حرّموا ، على حذف المضاف أيضا ، غير أنه أراد بما قالوا ما حرّموه على أنفسهم بلفظ الظّهار تنزيلا للقول منزلة المقول فيه ، كقوله : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) (٤) أراد المقول فيه ، وهو المال والولد ، ثم اختلفوا أنّ النقض بماذا يحصل؟ فعندنا بالعزم على الوطء ، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة ، وعند الشافعي بمجرد الإمساك ، وهو أن لا يطلقها عقيب الظهار (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فعليه اعتاق رقبة مؤمنة أو كافرة ، ولم يجز المدبّر وأم الولد والمكاتب الذي أدى شيئا (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الضمير يرجع إلى ما دلّ عليه الكلام من المظاهر والمظاهر منها ، والمماسة الاستمتاع
__________________
(١) يس ، ٣٦ / ٣٩.
(٢) الإسراء ، ١٧ / ٨.
(٣) الأنعام ، ٦ / ٢٨.
(٤) مريم ، ١٩ / ٨٠.