(دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٩) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (١٠) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ) (١١)
قوله (١) : ألا أيّ هذا (٢) الزاجري أحضر الوغى ، وفيه تعسف يجب صون القرآن عن مثله فإنّ كلّ واحد من الحذفين غير مردود على انفراده ، ولكن اجتماعهما منكر ، والفرق بين سمعت فلانا يتحدث وسمعت إليه يتحدث وسمعت حديثه وإلى حديثه أنّ المعدّى بنفسه يفيد الإدراك والمعدّى بإلى يفيد الإصغاء مع الإدراك (إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) أي الملائكة لأنهم يسكنون السماوات ، والإنس والجن هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض (وَيُقْذَفُونَ) يرمون بالشهب (مِنْ كُلِّ جانِبٍ) من جميع جوانب السماء من أي جهة صعدوا للاستراق.
٩ ـ (دُحُوراً) مفعول له أي ويقذفون للدحور ، وهو الطرد أو مدحورين على الحال ، أو لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى ، فكأنه قيل يدحرون أو قذفا (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) دائم من الوصوب ، أي أنهم في الدنيا مرجومون بالشّهب ، وقد أعدّ لهم في الآخرة نوع من العذاب دائم غير منقطع ومن في :
١٠ ـ (إِلَّا مَنْ) في محل الرفع بدل من الواو في لا يسمعون ، أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي (خَطِفَ الْخَطْفَةَ) أي سلب السلبة ، يعني أخذ شيئا من كلامهم بسرعة (فَأَتْبَعَهُ) لحقه (شِهابٌ) أي نجم رجم (ثاقِبٌ) مضيء.
١١ ـ (فَاسْتَفْتِهِمْ) فاستخبر كفار مكّة (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) أي أقوى خلقا من قولهم شديد الخلق ، وفي خلقه شدّة ، أو أصعب خلقا وأشقّه على معنى الردّ لإنكارهم البعث ، وأنّ من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون (أَمْ مَنْ خَلَقْنا) يريد ما ذكر من خلائقه من الملائكة والسماوات والأرض وما بينهما ، وجيء بمن تغليبا للعقلاء على غيرهم ، ويدلّ عليه قراءة من قرأ أم من عدّدنا بالتشديد والتخفيف (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) لاصق أو لازم ، وقرىء به ، وهذا شهادة عليهم بالضعف ، لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة ، أو احتجاج عليهم بأنّ الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله حيث قالوا : (أَإِذا كُنَّا تُراباً) (٣) وهذا
__________________
(١) من معلقة طرفة بن العبد ، وتمام البيت : وأن أشهد اللذات هل أنت مخلد.
(٢) في (ظ) و (ز) أيهذا.
(٣) الرعد ، ١٣ / ٥. النمل ، ٢٧ / ٦٧.