(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٢٧)
الكثرة بالكلّية (بِأَمْرِ رَبِّها) ربّ الريح (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) عاصم وحمزة وخلف ، أي لا يرى شيء إلا مساكنهم. غيرهم لا ترى إلا مساكنهم ، الخطاب للرائي من كان (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) أي مثل ذلك نجزي من أجرم مثل جرمهم ، وهو تحذير لمشركي العرب. عن ابن عباس رضي الله عنهما : اعتزل هود عليهالسلام ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلذّه الأنفس وإنها لتمرّ من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة.
٢٦ ـ (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) إن نافية ، أي فيما ما مكّنّاكم فيه إلّا أنّ إن أحسن في اللفظ لما في مجامعة ما مثلها من التكرير المستبشع ألا ترى أنّ الأصل في مهما ما ما فلبشاعة التكرير قلبوا الألف هاء ، وقد جعلت إن صلة وتؤوّل بأنّا مكّنّاهم في مثل ما مكّنّاكم فيه ، والوجه هو الأول لقوله تعالى : (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) (١) (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً) (٢) وما بمعنى الذي أو نكرة موصوفة (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) أي آلات الدرك والفهم (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي من شيء من الإغناء ، وهو القليل منه (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) إذ نصب بقوله فما أغنى وجرى مجرى التعليل لاستواء مؤدّي التعليل والظرف في قولك ضربته لإساءته وضربته إذ أساء ، لأنك إذا ضربته في وقت إساءته فإنما ضربته فيه لوجود إساءته فيه إلّا أنّ إذ وحيث غلّبتا دون سائر الظروف في ذلك (وَحاقَ بِهِمْ) ونزل بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) جزاء استهزائهم ، وهذا تهديد لكفار مكة. ثم زادهم تهديدا بقوله :
٢٧ ـ (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ) يا أهل مكّة (مِنَ الْقُرى) نحو حجر ثمود وقرى قوم لوط ، والمراد أهل القرى ، ولذلك قال (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي كررنا عليهم الحجج وأنواع العبر لعلّهم يرجعون عن الطغيان إلى الإيمان فلم يرجعوا.
__________________
(١) مريم ، ١٩ / ٧٤.
(٢) غافر ، ٤٠ / ٨٢.