(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) (١٦)
موضع البدل من قوله بوالديه ، وهو من بدل الاشتمال (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) بفتح الكافين حجازي وأبو عمرو ، وهما لغتان في معنى المشقّة ، وانتصابه على الحال أي ذات كره أو على أنه صفة للمصدر أي حملا ذا كره (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ) ومدة حمله وفطامه (ثَلاثُونَ شَهْراً) وفيه دليل على أنّ أقلّ مدة الحمل ستة أشهر لأنّ مدة الرضاع إذا كانت حولين لقوله تعالى : (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) (١) بقيت للحمل ستة أشهر ، وبه قال أبو يوسف ومحمد رحمهماالله ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : المراد به الحمل بالأكفّ. وفصله يعقوب ، والفصل والفصال كالفطم والفطام بناء ومعنى (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) هو جمع لا واحد له من لفظه ، وكان سيبويه يقول واحده شدة وبلوغ الأشدّ أن يكتهل ويستوفي السنّ التي تستحكم فيها قوته وعقله ، وذلك إذا أناف على الثلاثين وناطح الأربعين ، وعن قتادة : ثلاث وثلاثون سنة ، ووجهه أن يكون ذلك أول الأشدّ وغايته الأربعون (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) ألهمني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) المراد به نعمة التوحيد والإسلام ، وجمع بين شكري النعمة عليه وعلى والديه لأنّ النعمة عليهما نعمة عليه (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) قيل : هي الصلوات الخمس (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) أي اجعل ذريتي موقعا للصلاح ومظنة له (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) من كلّ ذنب (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) من المخلصين.
١٦ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) حمزة وعليّ وحفص ، يتقبّل ويتجاوز أحسن غيرهم (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) هو كقولك أكرمني الأمير في ناس من أصحابه تريد أكرمني في جملة من أكرم منهم ونظمني في عدادهم ، ومحله النصب على الحال على معنى كائنين في أصحاب الجنة ومعدودين فيهم (وَعْدَ الصِّدْقِ) مصدر مؤكد لأنّ قوله نتقبّل ونتجاوز وعد من الله لهم بالتقبّل والتجاوز ، قيل نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفي أبيه أبي قحافة وأمّه أم الخير وفي أولاده واستجابة دعائه فيهم ، فإنه آمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ، ودعا لهما وهو ابن أربعين سنة ، ولم يكن أحد من الصحابة من المهاجرين منهم والأنصار أسلم هو
__________________
(١) البقرة ، ٢ / ٢٣٣.