(وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) (٧)
يقبلون ، من قولك تشفعت إلى فلان فلم يسمع قولي ، ولقد سمعه ولكنه لمّا لم يقبله ولم يعمل بمقتضاه فكأنه لم يسمعه.
٥ ـ (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) أغطية جمع كنان وهو الغطاء (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) من التوحيد (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) ثقل يمنع من استماع قولك (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) ستر ، وهذه تمثيلات لنبوّ قلوبهم عن تقبّل الحقّ واعتقاده كأنها في غلف وأغطية تمنع من نفوذه فيها ومجّ إسماعهم له كأن بها صمما عنه ، ولتباعد المذهبين والدينين كأن بينهم وما هم عليه وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وما هو عليه حجابا ساترا وحاجزا منيعا من جبل أو نحوه ، فلا تلاقي ولا ترائي (فَاعْمَلْ) على دينك (إِنَّنا عامِلُونَ) على ديننا ، أو فاعمل في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك ، وفائدة زيادة من أنّ الحجاب ابتدأ منّا وابتدأ منك ، فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها ، ولو قيل بيننا (١) وبينك حجاب لكان المعنى أنّ حجابا حاصل وسط الجهتين.
٦ ـ (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) هذا جواب لقولهم : قلوبنا في أكنّة ، ووجهه أنه قال لهم : إني لست بملك وإنما أنا بشر مثلكم وقد أوحي إلى دونكم ، فصحّت نبوّتي بالوحي إليّ ، وأنا بشر ، وإذا صحّت نبوّتي وجب عليكم اتباعي ، وفيما يوحى إليّ أنّ إلهكم إله واحد (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) فاستووا إليه بالتوحيد وإخلاص العبادة غير ذاهبين يمينا ولا شمالا ولا ملتفتين إلى ما يسوّل لكم الشيطان من اتخاذ الأولياء والشفعاء (وَاسْتَغْفِرُوهُ) من الشرك (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ).
٧ ـ (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) لا يؤمنون بوجوب الزكاة ولا يعطونها ، أو لا يفعلون ما يكونون به أزكياء ، وهو الإيمان (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) بالبعث والثواب والعقاب (هُمْ كافِرُونَ) وإنما جعل منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة لأنّ أحبّ شيء إلى الإنسان ماله ، وهو شقيق روحه ، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على استقامته وصدق نيته ونصوع طويّته ، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة (٢) من الدنيا
__________________
(١) في (ز) بينا.
(٢) اللمظة : النقطة السوداء في القلب.