(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) (٣٣)
وعنه عليهالسلام : (السابق يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة ، وأما الظالم لنفسه فيحبس حتى يظنّ أنه لا ينجو ، ثم تناله الرحمة فيدخل الجنة) (١) رواه أبو الدرداء.
والأثر : فعن ابن عباس رضي الله عنهما : السابق المخلص والمقتصد المرائي والظالم الكافر بالنعمة غير الجاحد لها لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة.
وقول السلف : فقد قال الربيع بن أنس (٢) : الظالم صاحب الكبائر والمقتصد صاحب الصغائر ، والسابق المجتنب لهما. وقال الحسن البصري : الظالم من رجحت سيئاته والسابق من رجحت حسناته والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته. وسئل أبو يوسف رحمهالله عن هذه الآية فقال : كلهم مؤمنون ، وأما صفة الكفار فبعد هذا وهو قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ) وأما الطبقات الثلاث فهم الذين اصطفى من عباده ، فإنه قال فمنهم ومنهم ومنهم ، والكلّ راجع إلى قوله الذين اصطفينا من عبادنا ، وهم أهل الإيمان ، وعليه الجمهور ، وإنما قدّم الظالم للإيذان بكثرتهم وأنّ المقتصدين قليل بالإضافة إليهم والسابقون أقلّ من القليل. وقال ابن عطاء : إنما قدّم الظالم لئلا ييأس من فضله. وقيل إنما قدّمه ليعرّفه أنّ ذنبه لا يبعده من ربّه ، وقيل إنّ أول الأحوال معصية ، ثم توبة ، ثم استقامة. وقال سهل : السابق العالم والمقتصد المتعلم والظالم الجاهل ، وقال أيضا : السابق الذي اشتغل بمعاده ، والمقتصد الذي اشتغل بمعاشه ومعاده ، والظالم الذي اشتغل بمعاشه عن معاده. وقيل الظالم الذي يعبده على الغفلة والعادة ، والمقتصد الذي يعبده على الرغبة والرهبة ، والسابق الذي يعبده على الهيبة والاستحقاق. وقيل الظالم من أخذ الدنيا حلالا كانت أو حراما ، والمقتصد من يجتهد أن لا يأخذها إلّا من حلال ، والسابق من أعرض عنها جملة. وقيل الظالم طالب الدنيا ، والمقتصد طالب العقبى ، والسابق طالب المولى (بِإِذْنِ اللهِ) بأمره ، أو بعلمه ، أو بتوفيقه (ذلِكَ) أي إيراث الكتاب (هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).
٣٣ ـ (جَنَّاتُ عَدْنٍ) خبر ثان لذلك ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ والخبر
__________________
(١) كنز العمال ٢ / ٤٥٦٧.
(٢) الربيع بن أنس البكري الحنفي البصري ، سمع أنس بن مالك وأبا العالية وسمع منه عبد الله بن المبارك ، صدوق ، توفي عام ١٣٩ ه (تاريخ الإسلام).