(وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣٢)
أعمالهم (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) بتفسيح القبور ، أو بتشفيعهم فيمن أحسن إليهم ، أو بتضعيف حسناتهم ، أو بتحقيق وعد لقائه ، أو يرجون في موضع الحال أي راجين ، واللام في ليوفّيهم تتعلق بيتلون وما بعده ، أي فعلوا جميع ذلك من التلاوة وإقامة الصلاة والإنفاق لهذا الغرض ، وخبر إنّ (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (١) أي غفور لهم شكور لأعمالهم ، أي يعطي الجزيل على العمل القليل.
٣١ ـ (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) أي القرآن ، ومن للتبيين (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) حال مؤكدة لأنّ الحقّ لا ينفك عن هذا التصديق (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) لما تقدّمه من الكتب (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) فعلمك وأبصر أحوالك ورآك أهلا لأن يوحي إليك مثل هذا الكتاب المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب.
٣٢ ـ (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) أي أوحينا إليك القرآن ثم أورثناه من بعدك أي حكمنا بتوريثه (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) وهم أمته من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة ، لأنّ الله اصطفاهم على سائر الأمم ، وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس ، واختصهم بكرامة الانتماء إلى أفضل رسله ، ثم رتّبهم على مراتب فقال (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) وهو المرجأ لأمر الله (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) هو الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) وهذا التأويل يوافق :
التنزيل : فإنه تعالى قال : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ) (٢) الآية وقال بعده : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) (٣) الآية وقال بعده : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) (٤) الآية.
والحديث : فقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر بعد قراءة هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له) (٥).
__________________
(١) في (ظ) و (ز) : (إِنَّهُ غَفُورٌ) لفرطاتهم (شَكُورٌ).
(٢) التوبة ، ٩ / ١٠٠.
(٣) التوبة ، ٩ / ١٠٢.
(٤) التوبة ، ٩ / ١٠٦.
(٥) رواه البيهقي في الشعب عن عمر مرفوعا ، وأخرجه سعيد بن منصور موقوفا ، كنز العمال ٢ / ٢٩٢٥ ، ٤٥٦٢ ، ٤٥٦٣.