(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٣٠)
٢٨ ـ (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) يعني ومنهم بعض مختلف ألوانه (كَذلِكَ) أي كاختلاف الثمرات والجبال. ولما قال ألم تر أنّ الله أنزل من السماء ماء وعدّد آيات الله ، وأعلام قدرته ، وآثار صنعته ، وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس ، وما يستدلّ به عليه وعلى صفاته أتبع ذلك (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) أي العلماء به الذين علموه بصفاته ، فعظّموه ، ومن ازداد علما به ازداد منه خوفا ، ومن كان علمه به أقلّ كان آمن. وفي الحديث : (أعلمكم بالله أشدكم له خشية) (١) وتقديم اسم الله تعالى وتأخير العلماء يؤذن أنّ معناه أنّ الذين يخشون الله من بين (٢) عباده العلماء دون غيرهم ولو عكس لكان المعنى أنهم لا يخشون إلّا الله كقوله : (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) (٣) وبينهما تغاير ، ففي الأول بيان أنّ الخاشين هم العلماء ، وفي الثاني بيان أنّ المخشى منه هو الله تعالى. وقرأ أبو حنيفة وعمر (٤) ابن عبد العزيز وابن سيرين رضي الله عنهم إنما يخشى الله من عباده العلماء ، والخشية في هذه القراءة استعارة ، والمعنى إنما يعظم الله من عباده العلماء (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) تعليل لوجوب الخشية بدلالته على عقوبة العصاة وقهرهم وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم ، والمعاقب المثيب حقّه أن يخشى.
٢٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) يداومون على تلاوة القرآن (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي مسرّين النفل ومعلنين الفرض ، يعني لا يقنعون (٥) بتلاوته عن حلاوة العمل به (يَرْجُونَ) خبر إنّ (تِجارَةً) هي طلب الثواب بالطاعة (لَنْ تَبُورَ) لن تكسد ، يعني تجارة ينتفي عنها الكساد وتنفق عند الله.
٣٠ ـ (لِيُوَفِّيَهُمْ) متعلق بلن تبور أي ليوفّيهم بنفاقها عنده (أُجُورَهُمْ) ثواب
__________________
(١) في الصحيح : (أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية).
(٢) ليس في (ز) بين.
(٣) الأحزاب ، ٣٣ / ٣٩.
(٤) في (ظ) و (ز) وابن عبد العزيز.
(٥) في (ز) يقتنعون.