(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٤)
حذفه وإقامة الصفة مقامه إذا كان مفهوما ، فإذا مفعولا زعم محذوفان بسببين مختلفين ، والمعنى ادعوا الذين عبدتموهم من دون الله من الأصنام والملائكة وسميتموهم باسمه ، والتجئوا إليهم فيما يعروكم كما تلتجئون إليه ، وانتظروا استجابتهم لدعائكم كما تنتظرون استجابته ، ثم أجاب عنهم بقوله (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) من خير أو شر أو نفع أو ضر (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ) وما لهم في هذين الجنسين من شركة في الخلق ولا في الملك (وَما لَهُ) تعالى (مِنْهُمْ) من آلهتهم (مِنْ ظَهِيرٍ) من عوين يعينه على تدبير خلقه ، يريد أنهم على هذه الصفة من العجز فكيف يصحّ أن يدعوا كما يدعى ويرجوا كما يرجى.
٢٣ ـ (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) الله (١) ، يعني إلا من وقع الإذن للشفيع لأجله ، وهي اللام الثانية في قولك أذن لزيد لعمرو أي لأجله ، وهذا تكذيب لقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، أذن له كوفي غير عاصم إلا الأعشى (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) أي كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلّم بها ربّ العزة في إطلاق الإذن ، وفزّع شامي أي الله تعالى ، والتفزيع إزالة الفزع ، وحتى غاية لما فهم من أنّ ثمّ انتظارا للإذن ، وتوقفا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء ، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن لهم ، كأنه قيل يتربصون ويتوقفون مليا فزعين حتى إذا فزع عن قلوبهم (قالُوا) سأل بعضهم بعضا (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا) قال (الْحَقَ) أي قول الحقّ (٢) ، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) ذو العلوّ والكبرياء ، ليس لملك ولا نبيّ أن يتكلّم ذلك اليوم إلا بإذنه وأن يشفع إلّا لمن ارتضى.
٢٤ ـ (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ) أمره بأن يقرّرهم بقوله من يرزقكم ، ثم أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله يرزقكم الله ، وذلك للإشعار بأنهم مقرّون به بقلوبهم ، إلّا أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به لأنهم إن تفوّهوا بأنّ الله رازقهم لزمهم أن يقال لهم فما لكم لا تعبدون من يرزقكم وتؤثرون عليه من لا
__________________
(١) في (ظ) و (ز) : أي أذن له الله.
(٢) في (ظ) و (ز) : أي القول الحق.