(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) (٢٢)
١٩ ـ (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) قالوا يا ليتها كانت بعيدة فنسير على نجائبنا ونربح في التجارات ونفاخر في الدواب والأسباب ، بطروا النّعمة وملّوا العافية ، فطلبوا الكدّ والتعب ، بعّد مكي وأبو عمرو (وَظَلَمُوا) بما قالوا (أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) يتحدث الناس بهم ويتعجبون من أحوالهم (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) وفرّقناهم تفريقا اتخذه الناس مثلا مضروبا ، يقولون ذهبوا أيدي سبأ ، وتفرقوا أيادي سبأ ، فلحق غسان بالشام ، وأنمار بيثرب ، وجذام بتهامة ، والأزد بعمان (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) عن المعاصي (شَكُورٍ) للنّعم ، أو لكلّ مؤمن لأن الإيمان نصفان نصفه شكر ونصفه صبر.
٢٠ ـ (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) بتشديد الدال كوفي (١) ، أي حقّق عليهم ظنّه ، أو وجده صادقا ، وبالتخفيف غيرهم أي صدق في ظنه (فَاتَّبَعُوهُ) الضمير في عليهم واتبعوه لأهل سبإ أو لبني آدم ، وقلل المؤمنين بقوله (إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) لقلّتهم بالإضافة إلى الكفار ولا تجد أكثرهم شاكرين.
٢١ ـ (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ) لإبليس على الذين صار ظنه فيهم صدقا (مِنْ سُلْطانٍ) من تسليط واستيلاء بالوسوسة (إِلَّا لِنَعْلَمَ) موجودا ما علمناه معدوما ، والتغيّر على المعلوم لا على العلم (مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) محافظ عليه ، وفعيل ومفاعل متآخيان.
٢٢ ـ (قُلِ) لمشركي قومك (ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي زعمتموهم آلهة من دون الله فالمفعول الأول الضمير الراجع إلى الموصول ، وحذف كما حذف في قوله : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (٢) استخفافا لطول الموصول بصلته ، والمفعول الثاني آلهة ، وحذف لأنه موصوف صفته من دون الله ، والموصوف يجوز
__________________
(١) في (ظ) و (ز) بالتشديد كوفي.
(٢) الفرقان ، ٢٥ / ٤١.