(فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) (١٦)
مساكنهم (آيَةٌ) اسم كان (جَنَّتانِ) بدل من آية ، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره الآية جنتان ، ومعنى كونهما آية أنّ أهلها لما أعرضوا عن شكر الله سلبهم الله النعمة ليعتبروا ويتعظوا فلا يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر وغمط النّعم ، أو جعلهما آية أي علامة دالة على قدرة الله وإحسانه ووجوب شكره (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) أراد جماعة (١) من البساتين ، جماعة عن يمين بلدهم وأخرى عن شمالها وكلّ واحدة من الجماعتين في تقاربها وتضامّها كأنها جنّة واحدة كما تكون بساتين البلاد العامرة ، أو أراد بستاني كلّ رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) حكاية لما قال لهم أنبياء الله المبعوثون إليهم ، أو لما قال لهم لسان القال (٢) ، أو هم أحقّاء بأن يقال لهم ذلك ، ولما أمرهم بذلك أتبعه قوله (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربّكم الذي رزقكم وطلب شكركم ربّ غفور لمن شكره. قال ابن عباس : كانت سبأ على ثلاث فراسخ من صنعاء وكانت أخصب البلاد تخرج المرأة وعلى رأسها المكتل فتعمل بيدها وتسير بين تلك الشجر فيمتلىء المكتل بما (٣) يتساقط فيه من الثمر وأطيبها ، ليس فيها بعوض ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ، ومن يمر بها من الغرباء يموت قمله لطيب هواها (٤).
١٦ ـ (فَأَعْرَضُوا) عن دعوة أنبيائهم ، وكذبوهم وقالوا ما نعرف لله علينا نعمة (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) أي المطر الشديد ، أو العرم اسم الوادي ، أو هو الجرذ الذي نقب عليهم السّكر ، قالوا (٥) لمّا طغوا سلّط الله عليهم الجرذ (٦) فنقبه من أسفل فغرّقهم (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ) المذكورتين (جَنَّتَيْنِ) وتسمية البدل جنتين للمشاكلة وازدواج الكلام ، كقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (٧) (ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) الأكل الثمر ، يثقّل ويخفّف ، وهو قراءة نافع ومكي ، والخمط شجر الأراك ، أو (٨) كلّ شجر ذي شوك (وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) الأثل شجر يشبه الطرفاء (٩) أعظم منه وأجود
__________________
(١) في (ظ) و (ز) جماعتين.
(٢) في (ظ) و (ز) الحال.
(٣) في (ظ) و (ز) مما.
(٤) في (ظ) و (ز) هوائها.
(٥) ليس في (ز) قالوا.
(٦) في (ظ) سلطه الله عليهم فنقبه.
(٧) الشورى ، ٤٢ / ٤٠.
(٨) في (ظ) و (ز) وقيل.
(٩) الطرفاء : نوع من الشجر وتطلق على الواحد والجمع.