(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (١٠)
والهمزة للاستفهام ، وهمزة الوصل حذفت استغناء عنها (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) ثم قال سبحانه وتعالى ليس محمد من الافتراء والجنون في شيء وهو مبرّأ منهما ، بل هؤلاء القائلون الكافرون بالبعث واقعون في عذاب النار وفيما يؤديهم إليه من الضلال عن الحق وهم غافلون عن ذلك ، وذلك أجنّ الجنون ، جعل وقوعهم في العذاب رسيلا (١) لوقوعهم في الضلال كأنهما كائنان في وقت واحد ، لأنّ الضلال لما كان العقاب (٢) من لوازمه جعلا كأنهما مقترنان ، ووصف الضلال بالبعيد من الإسناد المجازي ، لأنّ البعيد صفة الضالّ إذا بعد عن الجادة.
٩ ـ (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ) وبالإدغام عليّ للتقارب بين الفاء والباء ، وضعّفه البعض لزيادة صوت الفاء على الباء (الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ) الثلاثة (٣) بالياء كوفي غير عاصم ، لقوله أفترى على الله كذبا (عَلَيْهِمْ كِسَفاً) (٤) كسفا حفص (مِنَ السَّماءِ) أي أعموا فلم ينظروا إلى السماء والأرض ، وأنهما حيثما كانوا وأينما ساروا أمامهم وخلفهم محيطتان بهم لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما وأن يخرجوا عما هم فيه من ملكوت الله ، ولم يخافوا أن يخسف الله بهم أو يسقط عليهم كسفا لتكذيبهم الآيات وكفرهم بالرسول وبما جاء به كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة (إِنَّ فِي ذلِكَ) النظر إلى السماء والأرض والفكر فيهما وما تدلّان عليه من قدرة الله تعالى (لَآيَةً) لدلالة (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) راجع بقلبه (٥) إلى ربّه مطيع له ، إذ المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله على أنه قادر على كلّ شيء من البعث ومن عقاب من يكفر به.
١٠ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ) بدل من فضلا ، أو من آتينا بتقدير
__________________
(١) رسيلا : مجموعات وقطعان (انظر القاموس ٣ / ٣٨٤) وهي هنا بمعنى سببا.
(٢) في (ز) العذاب.
(٣) الثلاثة : أي (يَرَوْا) ، (نَشَأْ) و (نَخْسِفْ).
(٤) في مصحف النسفي : (كِسَفاً) بإسكان السين ، لذلك قال : ...
(٥) ليس في (ز) بقلبه.