(أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) (١٢)
قولنا يا جبال أو قلنا يا جبال (أَوِّبِي مَعَهُ) من التأويب أي (١) رجّعي معه التسبيح ، ومعنى تسبيح الجبال أنّ الله يخلق فيها تسبيحا فيسمع منها كما يسمع من المسبّح ، معجزة لداود عليهالسلام (وَالطَّيْرَ) عطف على محلّ الجبال ، والطير زيد (٢) عطف على لفظ الجبال ، وفي هذا النظم من الفخامة التي لا تخفى (٣) حيث جعلت الجبال بمنزلة العقلاء الذين إذا أمرهم بالطاعة أطاعوا ، وإذا دعاهم أجابوا ، إشعارا بأنه ما من حيوان وجماد إلا وهو منقاد لمشيئة الله تعالى ، ولو قال آتينا داود منا فضلا تأويب الجبال معه والطير لم يكن فيه هذه الفخامة (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) وجعلناه له ليّنا كالطين المعجون يصرّفه بيده كيف يشاء من غير نار ولا ضرب بمطرقة ، وقيل لان الحديد في يده لما أوتي من شدة القوة.
١١ ـ (أَنِ اعْمَلْ) أن بمعنى أي أي (٤) أمرناه أن أعمل (سابِغاتٍ) دروعا واسعة تامة من السّبوغ وهو أول من اتخذها ، وكان يبيع الدرع بأربعة آلاف فينفق منها على نفسه وعياله ويتصدق على الفقراء ، وقيل كان يخرج متنكرا فيسأل الناس عن نفسه ويقول لهم : ما تقولون في داود؟ فيثنون عليه فقيض الله له ملكا في صورة آدمي فسأله على عادته ، فقال : نعم الرجل لو لا خصلة فيه وهو أنه يطعم عياله من بيت المال ، فسأل عند ذلك ربّه أن يسبب له ما يستغني به عن بيت المال فعلّمه صنعة الدروع (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) لا تجعل المسامير دقاقا فيقلق ولا غلاظا فيفصم الحلق ، والسّرد : نسج الدروع (وَاعْمَلُوا) الضمير لداود وأهله (صالِحاً) خالصا يصلح للقبول (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فأجازيكم عليه.
١٢ ـ (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) أي وسخّرنا لسليمان الريح ، وهي الصبا ، ورفع الريح أبو بكر وحماد والمفضّل (٥) ، أي ولسليمان الريح مسخرة (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) جريها بالغداة مسيرة شهر وجريها بالعشي كذلك ، وكان يغدو من دمشق فيقيل
__________________
(١) ليس في (ظ) و (ز) أي.
(٢) ليس في (ظ) و (ز) زيد.
(٣) في (ز) ما لا يخفى.
(٤) ليس في (ظ) أي الثانية : وفي (ز) أو.
(٥) في (ظ) و (ز) الفضل.