وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) (٥٩)
(شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) (١) ونحو ذلك (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) ليزيلوا أو يبطلوا بالجدال النبوة (وَاتَّخَذُوا آياتِي) القرآن (وَما أُنْذِرُوا) ما موصولة والراجع من الصلة محذوف أي وما أنذروه من العقاب ، أو مصدرية أي وإنذارهم (هُزُواً) موضع استهزاء ، بسكون الزاي والهمزة حمزة ، وبإبدال الهمزة واوا حفص ، وبضم الزاي والهمزة غيرهما.
٥٧ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) بالقرآن ، ولذلك رجع الضمير إليها مذكرا في قوله أن يفقهوه (فَأَعْرَضَ عَنْها) فلم يتذكر حين ذكّر ولم يتدبر (وَنَسِيَ) عاقبة (ما قَدَّمَتْ يَداهُ) من الكفر والمعاصي (٢) غير متفكر فيها ولا ناظر في أنّ المسيء والمحسن لا بدّ لهما من جزاء ، ثم علل إعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم بقوله (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أغطية ، جمع كنان وهو الغطاء (أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) ثقلا عن استماع الحقّ ، وجمع بعد الإفراد حملا على لفظ من ومعناه (وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى) (٣) إلى الإيمان (فَلَنْ يَهْتَدُوا) فلا يكون منهم اهتداء البتة (إِذاً) جزاء وجواب (٤) (أَبَداً) مدة التكليف كلّها.
٥٨ ـ (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ) البليغ المغفرة (ذُو الرَّحْمَةِ) الموصوف بالرحمة (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) أي من رحمته ترك مؤاخذته أهل مكة عاجلا مع فرط عداوتهم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) وهو يوم بدر (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) منجى ولا ملجأ ، يقال وأل إذا نجا ووأل إليه إذا لجأ إليه.
٥٩ ـ (وَتِلْكَ) مبتدأ (الْقُرى) صفة لأنّ أسماء الإشارة توصف بأسماء
__________________
(١) المؤمنون ، ٢٣ / ٢٤.
(٢) في (ظ) و (ز) ترتيب الآية مختلف ، وليس في (ظ) عاقبة.
(٣) في (ز) (وَإِنْ تَدْعُهُمْ) يا محمد (إِلَى الْهُدى).
(٤) زاد في (ز) فدل على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول ، بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سببا في انتفائه ، وعلى أنه جواب للرسول على تقدير قوله ما لي لا أدعوهم حرصا على إسلامهم؟ فقيل وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا.