(وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) (٦٠)
الأجناس ، والخبر (أَهْلَكْناهُمْ) أو تلك القرى نصب بإضمار أهلكنا على شريطة التفسير ، والمعنى وتلك أصحاب القرى أهلكناهم ، والمراد قوم نوح وعاد وثمود (لَمَّا ظَلَمُوا) مثل ظلم أهل مكة (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) وضربنا لإهلاكهم وقتا معلوما لا يتأخرون عنه ، كما ضربنا لأهل مكة يوم بدر ، والمهلك الإهلاك ووقته. وبفتح الميم وكسر اللام حفص ، وبفتحهما أبو بكر ، أي لوقت هلاكهم أو لهلاكهم ، والموعد وقت أو مصدر.
٦٠ ـ (وَإِذْ) واذكر إذ (قالَ مُوسى لِفَتاهُ) وهو يوشع بن نون ، وإنما قيل لفتاه (١) لأنه كان يخدمه ويتبعه ويأخذ منه العلم (لا أَبْرَحُ) لا أزال ، وقد حذف الخبر لدلالة الحال والكلام عليه ، أما الأولى فلأنها كانت حال سفر ، وأما الثاني فلأن قوله (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) غاية مضروبة تستدعي ما هي غاية له ، فلا بد أن يكون المعنى لا أبرح أسير حتى أبلغ مجمع البحرين ، وهو المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر عليهماالسلام ، وهو ملتقى بحر فارس والروم ، وسمّي خضرا لأنه أينما يصلي يخضرّ ما حوله (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) أو أسير زمانا طويلا ، قيل ثمانون سنة.
روي أنه لما ظهر موسى عليهالسلام على مصر مع بني إسرائيل ، واستقروا بها بعد هلاك القبط سأل ربّه أيّ عبادك أحبّ إليك؟ قال : الذي يذكرني ولا ينساني ، قال : فأيّ عبادك أقضى؟ قال : الذي يقضي بالحقّ ولا يتبع الهوى ، قال : فأيّ عبادك أعلم؟ قال : الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدلّه على هدى أو تردّه عن ردى ، فقال : إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني (٢) عليه ، قال : أعلم منك الخضر ، قال : أين أطلبه؟ قال : على الساحل عند الصخرة ، قال : يا ربّ كيف لي به؟ قال : تأخذ حوتا في مكتل ، فحيث فقدته فهو هناك؟ فقال لفتاه : إذا فقدت الحوت فأخبرني ، فذهبا يمشيان ، فرقد موسى ، فاضطرب الحوت ووقع في البحر ، فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت ، فأخبره فتاه بوقوعه في البحر ، فأتيا الصخرة فإذا رجل مسجّى بثوبه ، فسلم عليه موسى ، فقال : وأنّى بأرضنا السلام ، فعرّفه نفسه ، فقال : يا موسى أنا على علم علّمنيه الله لا تعلمه أنت ، وأنت على علم علّمكه الله لا أعلمه أنا(٣).
__________________
(١) في (ز) فتاه.
(٢) في (ز) فدلني.
(٣) القصة في البخاري عن أبي بن كعب مختصرة.