(وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) (١٢)
ثم زهّد في الميل إليها بقوله :
٨ ـ (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها) من هذه الزينة (صَعِيداً) أرضا ملساء (جُرُزاً) يابسا لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة ، والمعنى نعيدها بعد عمارتها خرابا بإماتة الحيوان وتجفيف النبات والأشجار وغير ذلك.
ولما ذكر من الآيات الكلّية تزيين الأرض بما خلق فوقها من الأجناس التي لا حصر لها وإزالة ذلك كلّه كأن لم يكن قال :
٩ ـ (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ) يعني أنّ ذلك أعظم من قصة أصحاب الكهف وإبقاء حياتهم مدة طويلة ، والكهف : الغار الواسع في الجبل ، والرقيم اسم كلبهم ، أو قريتهم ، أو اسم كتاب كتب في شأنهم ، أو اسم الجبل الذي فيه الكهف (كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) أي كانوا آية عجبا من آياتنا وصفا بالمصدر ، أو على ذات عجب.
١٠ ـ (إِذْ) أي اذكر إذ (أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أي رحمة من خزائن رحمتك وهي المغفرة والرزق والأمن من الأعداء (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا) أي الذي نحن عليه من مفارقة الكفار (رَشَداً) حتى نكون بسببه راشدين مهتدين ، أو اجعل أمرنا رشدا كلّه كقولك رأيت منك أسدا ، أو يسر لنا طريق رضاك.
١١ ـ (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ) أي ضربنا عليها حجابا من أن تسمع (١) يعني أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات ، فحذف المفعول الذي هو الحجاب (سِنِينَ عَدَداً) ذوات عدد فهو صفة لسنين. قال الزّجّاج : أي تعدّ عددا لكثرتها لأنّ القليل يعلم مقداره من غير عدد فإذا كثر عدّ ، فأما دراهم معدودة فهي على القلة لأنهم كانوا يعدّون القليل ويزنون الكثير.
١٢ ـ (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أيقظناهم من النوم (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) المختلفين منهم في
__________________
(١) في (ز) حجابا من النوم.