(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) (١٤)
مدة لبثهم لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك وذلك قوله : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) (١) وكان الذين قالوا ربكّم أعلم بما لبثتم هم الذين علموا أنّ لبثهم قد تطاول ، أو أي الحزبين المختلفين من غيرهم (أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) غاية ، وأحصى فعل ماض ، وأمدا ظرف لأحصى أو مفعول له والفعل الماضي خبر المبتدأ ، وهو أي والمبتدأ مع خبره سدّ مسدّ مفعولي نعلم ، والمعنى أيهم ضبط أمدا لأوقات لبثهم وأحاط علما بأمد لبثهم ، ومن قال أحصى أفعل من الإحصاء وهو العدّ فقد زلّ لأنّ بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس ، وإنما قال لنعلم مع أنه تعالى لم يزل عالما بذلك ، لأنّ المراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم ليزدادوا إيمانا واعتبارا ، وليكون لطفا لمؤمني زمانهم ، وآية بينة لكفاره ، أو المراد لنعلم اختلافهما (٢) موجودا كما علمناه قبل وجوده.
١٣ ـ (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ) بالصّدق (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) جمع فتى ، والفتوة بذل الندى ، وكفّ الأذى ، وترك الشكوى ، واجتناب المحارم ، واستعمال المكارم ، وقيل الفتى من لا يدّعي قبل الفعل ولا يزكي نفسه بعد الفعل (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) يقينا وكانوا من خواص دقيانوس (٣) قد قذف الله في قلوبهم الإيمان ، وخاف بعضهم بعضا ، وقالوا ليخل اثنان اثنان منا فيظهر كلاهما ما يضمر لصاحبه ، ففعلوا ، فحصل اتفاقهم على الإيمان.
١٤ ـ (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) وقويناها بالصبر على هجران الأوطان ، والفرار بالدين إلى بعض الغيران (٤) ، وجسّرناهم على القيام بكلمة الحقّ والتظاهر بالإسلام (إِذْ قامُوا) بين يدي الجبار ، وهو دقيانوس من غير مبالاة به حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مفتخرين (لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) ولئن سميناهم آلهة (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) قولا ذا شطط ، وهو الإفراط في الظلم والإبعاد فيه ، من شط (٥) إذا بعد.
__________________
(١) تأتي لاحقا برقم ١٩.
(٢) في (ز) إخلافهما.
(٣) دقيانوس ، حاكم بلادهم في زمانهم.
(٤) الغيران جمع غار نقب كالكهف في الجبل.
(٥) في (ظ) و (ز) زاد يشط ويشط.