وهذه الآية
تدلّ الناس على أمر يحسّونه بفطرتهم ، ويدركونه بغريزتهم ، وهو أن من يعتمد في
دعواه على الكذب والافتراء لا بد له من التهافت في القول ، والتناقض في البيان ،
وهذا شىء لم يقع في الكتاب العزيز.
والقرآن يتبع
هذه الخطة في كثير من استدلالاته واحتجاجاته ، فيرشد الناس إلى حكم الفطرة ،
ويرجعهم إلى الغريزة ، وهي أنجح طريقة في الإرشاد ، وأقربها إلى الهداية. وقد
أحسّت العرب بهذه الاستقامة في أساليب القرآن ، واستيقنت بذلك بلغاؤهم. وإن كلمة
الوليد بن المغيرة في صفة القرآن تفسر لنا ذلك ، حيث قال ـ حين سأله أبو جهل أن
يقول في القرآن قولا :
«فما أقول فيه؟
فو الله ما منكم رجل أعلم في الأشعار مني ولا أعلم برجزه مني ، ولا بقصيده ، ولا
بأشعار الجن. والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، وو الله إنّ لقوله لحلاوة ،
وإنه ليحطم ما تحته ، وإنه ليعلو ولا يعلى.
قال أبو جهل :
والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه قال الوليد : فدعني حتى أفكر فيه فلما فكر. قال :
هذا سحر يأثره عن غيره».
وفي بعض الروايات قال الوليد :
«والله لقد
سمعت منه كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه
لطلاوة وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ، وما يقول
هذا بشر ...»
__________________