التكوينية فهي التي أعدها الله تعالى في طبيعة كل موجود سواء أكان جمادا أم
كان نباتا أو حيوانا ، فهي تسري بطبعها أو باختيارها نحو كمالها ، والله هو الذي
أودع فيها قوة الاستكمال ، ألا ترى كيف يهتدي النبات إلى نموه ، فيسير إلى جهة لا
صادّ له عن سيره فيها ، وكيف يهتدي الحيوان فيميز بين من يؤذيه ومن لا يؤذيه؟ فالفأرة
تفرّ من الهرة ، ولا تفرّ من الشاة ، وكيف يهتدي النمل والنحل إلى تشكيل جمعية
وحكومة وبناء مساكن! وكيف يهتدي الطفل إلى ثدي أمه ، ويرتضع منه في بدء ولادته :
(قالَ رَبُّنَا
الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) «٢٠ : ٥٠».
وأما الهداية
العامة التشريعية فهي الهداية التي بها هدى الله جميع البشر بإرسال الرسل إليهم
وإنزال الكتب عليهم ، فقد أتمّ الحجة على الإنسان بإفاضته عليه العقل وتمييز الحق
من الباطل ، ثم بإرساله رسلا يتلون عليهم آياته ، ويبينون لهم شرائع أحكامه ، وقرن
رسالتهم بما يدل على صدقها من معجز باهر ، وبرهان قاهر ، فمن الناس من اهتدى ،
ومنهم من حق عليه الضلالة :
(إِنَّا هَدَيْناهُ
السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) «٧٦ : ٣».
وأما الهداية
الخاصة ، فهي هداية تكوينية ، وعناية ربانية خصّ الله بها بعض عباده حسب ما تقتضيه
حكمته ، فيهيّئ له ما به يهتدي إلى كماله ويصل إلى مقصوده ، ولو لا تسديده لوقع في
الغي والضلالة ، هذا وقد أشير إلى هذا القسم من الهداية في غير واحد من الآيات المباركة
، قال عزّ من قائل :
(فَرِيقاً هَدى
وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ ٧ : ٣٠. قُلْ
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ٦ : ١٤٩. لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ
اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ٢ : ٢٧٢.