سبحانه ، واستثنيت من ذلك سورة براءة ، فإنها بدأت بالبراءة من المشركين ولهذا الغرض أنزلت ، فلا يناسبها ذكر اسم الله ولا سيما مع توصيفه بالرحمن الرحيم (١).
وعلى الجملة : ابتدأ الله كتابه التدويني بذكر اسمه ، كما ابتدأ في كتابه التكويني باسمه الأتم ، فخلق الحقيقة المحمدية ونور النبي الأكرم قبل سائر المخلوقين ، وإيضاح هذا المعنى : أن الاسم هو ما دل على الذات ، وبهذا الاعتبار تنقسم الأسماء الإلهية إلى قسمين : تكوينية ، وجعلية. فالأسماء الجعلية هي الألفاظ التي وضعت للدلالة على الذات المقدسة ، أو على صفة من صفاتها الجمالية والجلالية ، والأسماء التكوينية هي الممكنات الدالة بوجودها على وجود خالقها وعلى توحيده : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ٥٢ : ٣٥. (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ٢١ : ٢٢).
ففي كل شىء دلالة على وجود خالقه وتوحيده ، وكما تختلف الأسماء الإلهية اللفظية من حيث دلالتها ، فيدل بعضها على نفس الذات بما لها من صفات الكمال ، ويدل بعضها على جهة خاصة من كمالاتها على اختلاف في العظمة والرفعة فكذلك تختلف الأسماء التكوينية من هذه الجهة ، وإن اشترك جميعها في الكشف عن الوجود والتوحيد ، وعن العلم والقدرة وعن سائر الصفات الكمالية.
ومنشأ اختلافها : أن الموجود إذا كان أتم كانت دلالته أقوى ، ومن هنا صح إطلاق الأسماء الحسنى على الأئمة الهداة ، كما في بعض الروايات (٢). فالواجب جل وعلا قد ابتدأ في أكمل كتاب من كتبه التدوينية بأشرف الألفاظ وأقربها إلى اسمه
__________________
(١) روى ابن عباس قال سألت علي بن أبي طالب عليهالسلام لم لم تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال : لأنها أمان ، وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان ، المستدرك : ٢ / ٣٣.
(٢) الكافي : ١ / ١٣٠ ، الحديث : ٢. وتفسير البرهان. ١ : ٣٧٧.