وشاع الطب اليوناني في عصر المسيح عليهالسلام وأتى الأطباء في زمانه بالعجب العجاب ، كان للطب رواج باهر في سوريا وفلسطين ، لأنهما كانتا مستعمرتين لليونان. وحين بعث الله نبيه المسيح في هذين القطرين شاءت الحكمة أن تجعل برهانه شيئا يشبه الطب ، فكان من معجزاته أن يحيى الموتى ، وأن يبرئ الأكمه والأبرص. ليعلم أهل زمانه أن ذلك شىء خارج عن قدرة البشر ، وغير مرتبط بمبادئ الطب ، وأنه ناشئ عما وراء الطبيعة.
وأما العرب فقد برعت في البلاغة ، وامتازت بالفصاحة ، وبلغت الذروة في فنون الأدب ، حتى عقدت النوادي وأقامت الأسواق للمباراة في الشعر والخطابة. فكان المرء يقدّر على ما يحسنه من الكلام ، وبلغ من تقديرهم للشعر أن عمدوا لسبع قصائد من خيرة الشعر القديم ، وكتبوها بماء الذهب في القباطي ، وعلقت على الكعبة ، فكان يقال هذه مذهّبة فلان إذا كانت أجود شعره (١).
واهتمت بشأن الأدب رجال العرب ونساؤهم ، وكان النابغة الذبياني هو الحكم في شعر الشعراء. يأتي سوق عكاظ في الموسم فتضرب له قبة حمراء من الادم ، فتأتيه الشعراء تعرض عليه أشعارها ليحكم فيها (٢) ولذلك اقتضت الحكمة أن يخص نبي الإسلام بمعجزة البيان ، وبلاغة القرآن فعلم كل عربي أن هذا من كلام الله ، وأنه خارج ببلاغته عن طوق البشر ، واعترف بذلك كل عربي غير معاند.
ويدل على هذه الحقيقة ما روي عن ابن السكيت أنه قال لأبي الحسن الرضا عليهالسلام :
«لما ذا بعث الله موسى بن عمران عليهالسلام بالعصا ، ويده البيضاء ، وآلة السحر؟ وبعث عيسى بآلة الطب؟ وبعث محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى
__________________
(١) العمدة : لابن رشيق : ١ / ٧٨.
(٢) شعراء النصرانية : ٢ / ٦٤٠ ، ط. بيروت.