ويدل على ذلك أيضا : أنا نعلم أنه قد صدر عن المعصومين عليهمالسلام كثير من الأخبار المخصصة لعمومات الكتاب ، والمقيدة لمطلقاته ، فلو كان التخصيص أو التقييد من المخالف للكتاب لما صح قولهم : «ما خالف قول ربنا لم نقله ، أو هو زخرف (١) ، أو باطل» فيكون صدور ذلك عنهم عليهمالسلام دليلا على أن التخصيص أو التقييد ليس من المخالفة في شىء.
أضف الى ذلك : أن المعصومين عليهمالسلام قد جعلوا موافقة أحد الخبرين المتعارضين للكتاب مرجحا له على الخبر الآخر ، ومعنى ذلك أن معارضه ـ وهو الذي لم يوافق الكتاب ـ حجة في نفسه لو لا المعارضة ، ومن الواضح أن ذلك الخبر لو كانت مخالفته للكتاب على نحو لا يمكن الجمع بينهما لم يكن حجة في نفسه ولم يبق معه مجال للمعارضة والترجيح ، وإذن فلا مناص من أن يكون المراد من عدم موافقته للكتاب أنه يمكن الجمع بينهما عرفا بالالتزام بالتخصيص أو التقييد.
ونتيجة ذلك : أن الخبر المخصص للكتاب ، أو المقيد له حجة في نفسه ، ويلزم العمل به إلا حين يبتلى بالمعارضة.
٣ ـ وقالوا : لو جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد لجاز نسخه به ، والنسخ به غير جائز يقينا فالتخصيص به غير جائز أيضا ، والسند في هذه الملازمة : أن النسخ ـ كما أوضحناه في مبحث النسخ ـ تخصيص في الأزمان ، والدليل الناسخ كاشف عن أن الحكم الأول كان مختصا بزمان ينتهي بورود ذلك الدليل الناسخ ، فنسخ الحكم ليس رفعا له حقيقة ، بل هو رفع له صورة وظاهرا ، والتخصيص في الأفراد كالتخصيص في الأزمان ، فكلاهما تخصيص ، فلو جاز الأول لجاز الثاني.
__________________
(١) الوسائل : ٢٧ / ١٠٥ ، باب ٨ ، رقم الحديث ٣٣٣٤٥٠ و ٣٣٣٤٧.