وبهذا البيان يتضح بطلان دعوى النسخ (١) في قوله تعالى :
(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) «٩ : ٤١».
على أنا قد أوضحنا للقارئ ـ مرارا ـ أن تخصيص العام ببعض أفراده ليس من النسخ ، بل إن قوله تعالى :
(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) «٩ : ١٢٢».
بنفسه دليل على عدم النسخ ، فإنه دل على أن النفر لم يكن واجبا على جميع المسلمين من بداية الأمر ، فكيف يكون ناسخا للآية المذكورة.
٢٥ ـ (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ ٩ : ٤٣. لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ : ٤٤. إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ : ٤٥).
فعن ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وقتادة : أن هذه الآيات منسوخة (٢) بقوله تعالى :
(فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) «٢٤ : ٦٢».
والحق : ان الآيات الثلاث لا نسخ فيها ، لأن صريحها ان المنع من الاستيذان وعتاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على اذنه إنما هو في مورد عدم تميز الصادق من الكاذب وقد بين سبحانه وتعالى ان غير المؤمنين كانوا يستأذنون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في البقاء فرارا من
__________________
(١) نسبها القرطبي في تفسيره إلى قائل ولم يسمه : ٨ / ١٥٠ ، ونسبها الطبرسي في مجمع البيان الى السدي : ٣ / ٣٣.
(٢) الناسخ والمنسوخ للنحاس : ص ١٧٠.