الأخبار متظافرة من طرق الفريقين (١) والاستدلال بها على عدم التحريف في الكتاب يكون من ناحيتين :
الناحية الأولى : إن القول بالتحريف يستلزم عدم وجوب التمسك بالكتاب المنزل لضياعه على الأمة بسبب وقوع التحريف ، ولكن وجوب التمسك بالكتاب باق إلى يوم القيامة ، لصريح أخبار الثقلين ، فيكون القول بالتحريف باطلا جزما.
وتوضيح ذلك :
أن هذه الروايات دلت على اقتران العترة بالكتاب ، وعلى أنهما باقيان في الناس إلى يوم القيامة ، فلا بد من وجود شخص يكون قرينا للكتاب ولا بد من وجود الكتاب ليكون قرينا للعترة ، حتى يردا على النبي الحوض ، وليكون التمسّك بهما حافظا للأمة عن الضلال ، كما يقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذا الحديث. ومن الضروري أن التمسك بالعترة إنما يكون بموالاتهم ، واتباع أوامرهم ونواهيهم والسير على هداهم ، وهذا شىء لا يتوقف على الاتصال بالإمام ، والمخاطبة معه شفاها ، فإن الوصول إلى الإمام والمخاطبة معه لا يتيسر لجميع المكلفين في زمان الحضور ، فضلا عن أزمنة الغيبة ، واشتراط إمكان الوصول إلى الإمام عليهالسلام لبعض الناس دعوى بلا برهان ولا سبب يوجب ذلك ، فالشيعة في أيام الغيبة متمسكون بإمامهم يوالونه ويتبعون أوامره ، ومن هذه الأوامر الرجوع إلى رواة أحاديثهم في الحوادث الواقعة ، أما التمسك بالقرآن فهو أمر لا يمكن إلا بالوصول اليه ، فلا بد من كونه موجودا بين الأمة ، ليمكنها أن تتمسك به ، لئلا تقع في الضلال ، وهذا البيان يرشدنا إلى فساد المناقشة بأن القرآن محفوظ وموجود عند الإمام الغائب ، فإن وجوده الواقعي لا يكفي لتمسك الأمة به.
__________________
(١) تقدمت الاشارة إلى مصادر هذه الأخبار في ص ٢٦ من هذا الكتاب.