يقسمون بالله إلا ما يعظم من الأمر ويجل ، وذلك آخر أقسامهم ؛ ولذلك قال بعض أهل التأويل في قوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) [فاطر : ٤٢] : يقول : جهد أيمانهم هو قسمهم بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً).
قيل : كانوا يحلفون فيما بينهم على جعل الله كفيلا عليهم ، وقيل : الكفيل : هو الشهيد الحافظ ، وهكذا يؤخذ الكفيل فيما يؤخذ ؛ ليحفظ المال أو النفس.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ).
من الوفاء بما عاهدوا أو النقض ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ).
اختلف في تأويل الآية :
قال بعضهم : الآية نزلت في مخالفة أهل الكفر بعضهم بعضا ، وهو أن يرث بعضهم بعضا ، وينصر ويعين بعضهم بعضا ، ويحلفون على ذلك ويقسمون ؛ فإن هلكوا في ذلك ـ أي : في نصر بعضهم بعضا [وإعانة بعضهم بعضا](١) ـ ثم إذا رأوا الكثرة والغلبة مع (٢) غير الذين خالفوهم (٣) ـ نقضوا ذلك ، ورجعوا إلى الذين معهم الكثرة والغلبة ؛ فنهوا عن ذلك.
وقال بعضهم : الآية في الذين يكونون بعد رسول الله وأصحابه لما علم أنه يكون خوارج وأهل اختلاف في الدّين ، فربما كانت الكثرة والغلبة لهم على أهل العدل ؛ فنهى من عاهد أهل العدل وبايعهم ـ أن يترك بكثرتهم وغلبتهم الكون مع أهل العدل ، وإعانتهم ، ونقض ما عاهدوا ؛ ولذلك قال :
(إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ).
وقال : هذا يدل أنه في أهل الإسلام.
وقال بعضهم : الآية في أهل النفاق ؛ أنهم كانوا يقسمون بالله إنهم ينصرون رسول الله وأصحابه ، ويقولون : إنا معكم ، كقوله : (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ ...) الآية [التوبة : ٥٦] كانوا يرون من أنفسهم الموافقة لهم ، والنصر ، والعون
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : من.
(٣) في أ : خالفوا.