قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦) يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ)(٢٧)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ).
قد ذكرنا أن كلمة (أَلَمْ تَرَ) حرف تنبيه عن عجيب كان بلغه ؛ فغفل عنه ، أو تنبيه عن عجيب لم يبلغه.
وقال أبو بكر الأصم : هي كلمة يفتتح بها العرب عند الحاجة ؛ يقول الرجل لآخر : ألم تر إلى ما فعل فلان ؛ ونحوه. هذا يحتمل في غيره من المواضع وأما في هذا فإنه غير محتمل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) قيل : بين الله مثلا وأظهر.
(كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ).
قال أبو بكر الكيسانى : (كَلِمَةً طَيِّبَةً) : هو هذا القرآن ، (كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) : هي الكتب التي أحدثها الناس ، شبه القرآن بالشجرة الطيبة ؛ وهي النخلة ؛ على ما ذكر ؛ إن ثبت ، أو كل شجرة مثمرة. وشبه الكتب التي أحدثها الناس بالشجرة الخبيثة ؛ وهي التي لا تثمر. وقال : إنما شبه القرآن بالشجرة الطيبة ؛ لأن الشجرة الطيبة هي باقية إلى آخر الدهر ؛ ينتفع بها الناس بجميع أنواع المنافع ، لا يقطعونها ؛ فهى تدوم وتبقى دهرا ، فعلى ذلك القرآن ينتفع به الناس وهو دائم أبدا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ).
أصلها ثابت لها قرار ، فعلى ذلك : القرآن هو ثابت بالحجج والبراهين ؛ والكتب التي أحدثها أولئك هي باطلة فاسدة ؛ لا حجة معها ولا برهان ؛ كالشجرة الخبيثة التي هي غير مثمرة ؛ لا بقاء لها ولا قرار ولا ثبات.
وقال بعضهم (١) : الكلمة الطيبة : هي الإيمان والتوحيد ؛ شبهها بالشجرة الطيبة ؛ وهي التي تثمر وتنمو وتزكو هي على ما وصفها ـ عزوجل ـ في قوله : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) ، فعلى [ذلك](٢) الإيمان والتوحيد لا يزال يثمر لأهله الخيرات والأعمال
__________________
(١) قاله الربيع بن أنس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٦٦٠).
(٢) سقط في أ.