(وَيَبْغُونَها عِوَجاً).
أي : طعنا وعيبا فيه ، دلّ هذا على أن الآية في الرؤساء منهم والقادة الذين كانوا يصدون الناس عن سبيل الله ويبغون في دين الله الطعن والعيب ؛ فما وجدوا إلى ذلك سبيلا قط.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ).
الضلال : يحتمل وجوها :
يحتمل : (الضلال) : أي : هلكوا هلاكا لا نجاة فيه قط.
ويحتمل الحيرة والتيه ؛ أي : تحيروا فيه وتاهوا حتى لا يهتدوا أبدا.
ويحتمل (الضلال) البطلان ؛ أي : في بطلان بعيد ؛ حتى لا يصلحوا أبدا ، وهو في قوم علم الله أنهم لا يهتدون أبدا ؛ ويختمون (١) على الضلال ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)(٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ).
لو كان غيره من الكتب أرسلت بغير لسان الأمم لكان هذا الكتاب يجب أن يكون مبعوثا بلسان قومه ؛ لأنه جعل هذا الكتاب نفسه حجة وآية لرسالته ؛ لأنهم يعجزون عن إتيان مثله ؛ وهو كان بلسانهم ؛ ليعلموا أنه [جاء من الله](٢) ؛ إذ لو كان من اختراع الرسول ـ لقدروا [هم](٣) على اختراع مثله ؛ لأن لسانهم مثل لسانه ، فإذا عجزوا عن إتيان مثله ـ دلّ أنه منزّل من الله تعالى لا من عند الخلق.
ثمّ يحتمل قوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) وجوها :
قال قائلون : هذا بعد ما اختلفت الألسن ؛ أرسل هذا وفيه أنباء أوائلهم الذين كان
__________________
(١) في ب : يجتمعون.
(٢) في ب : من الله جاء.
(٣) سقط في أ.