[والثاني : على قولهم](١) لا يملك أن يتوفاه مسلما ؛ لأن من قولهم : إنه أعطى كل أحد ما به يكون مؤمنا حتى لم يبق عنده شيء ، ومن سأل آخر شيئا يعلم أنه ليس عنده ؛ فهو يهزأ به ، أو يكون فيه كتمان النعمة ؛ وفي كتمان النعمة كفرانها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ ...) الآية.
(ذلِكَ) : أي خبر يوسف وإخوته ؛ وقصصهم التي قصصنا عليك وأخبرناك به ؛ من أوله إلى آخره ، (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) لم تشهدها أنت [ولم تحضرها كقوله](٢) : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ) [هود : ٤٩] هذا ليعلم أنك إنما علمت وعرفتها بالله وحيا ؛ ليدلهم على رسالتك ونبوتك. والله تعالى أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ).
أي : ما كنت لديهم ولا بحضرتهم ؛ ثم أنبأت على ما كان ؛ ليدل على ما ذكرنا من الرسالة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ يَمْكُرُونَ).
بأبيهم وأخيهم : أما مكرهم بأبيهم ؛ حيث قالوا : (يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) [يوسف : ١١] أخبروه أنهم له ناصحون ؛ فخانوه.
ومكرهم بأخيهم ؛ حيث قالوا : (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [يوسف : ١٢] ضمنوا له الحفظ ؛ فلم يحفظوه ـ مكروا بهما جميعا.
والمكر : هو الاحتيال ؛ في اللغة ؛ والأخذ على جهة الأمن ، وقد فعلوا هم بأبيهم يعقوب وأخيهم يوسف عليهماالسلام.
قوله تعالى : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(١٠٧)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).
أي ما أكثر الناس بمؤمنين ؛ ولو حرصت يا محمد أن يكونوا مؤمنين ؛ كقوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [القصص : ٥٦] كان النبي صلىاللهعليهوسلم بلغ من شفقته ورحمته على الخلق ؛ ورغبته في إيمانهم ؛ حتى كادت نفسه تهلك في ذلك ؛ حيث قال :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : ولا تحضرها ؛ لقوله.