لهم على أعدائهم ويحلفون على ذلك ، ثم إذا رأوا الكثرة مع الكفرة والغلبة ، وقلة المؤمنين ـ تحولوا إلى أولئك ، ونقضوا أيمانهم ، وكانوا معهم ، كقوله : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ...) الآية [النساء : ١٤١].
ويحتمل قوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ...) أي : لا تكونوا في نقض العهود والمواثيق كالمرأة التي تنقض غزلها من بعد قوة ، وجائز أن يكون غير هذا.
يقول : ولا تظنوا في الله أن يكون في إنشاء الخلق كالمرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة ؛ فلو لم يكن بعث لكان يكون في إنشاء الخلق كالمرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة ، وقد عرفتم قبح ذلك ؛ فعلى ذلك : إنشاء الخلق إذا لم يكن بعث يكون في القبح ما ذكر. ثم ضرب الله مثل من أعطى العهد والمواثيق ووكد الأيمان في ذلك ، ثم نقض ذلك بامرأة تغزل ثم تنقض ذلك الغزل من بعد قوة أنكاثا ؛ يقول ـ والله أعلم ـ : كما لم تنتفع هذه المرأة بغزلها إذا نقضته من بعد إبرامها إياه ؛ كذلك لا ينتفع ولا يوثق بمن أعطى العهد ، ثم نقضه. يقول : فلا هي تركت الغزل تنتفع به ، ولا هي تركت القطن والكتان كما هو ؛ فكذلك الذي يعطي العهد ثم ينقضه فلا هو حين أعطاه وفي به ، ولا هو ترك [العهد](١) فلم يعطه ونحوه. ثم اختلف في تلك المرأة :
قال بعضهم (٢) : هي امرأة من قريش حمقاء بمكة ، كانت إذا غزلت نقضته.
وقال بعضهم (٣) : هذا على التمثيل ؛ يقول ـ والله أعلم ـ : أي لو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه ـ لقلتم : ما أحمق هذه!! فعلى ذلك من أعطى العهد والميثاق ، ثم نقض ـ فهو كذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ).
قال أبو بكر الأصم : الدخل : الذي لا يصحّ ولا يستقيم ؛ يقال : هذا مدخول ، أي : غير صحيح. وقال غيره (٤) : (دَخَلاً) ، أي : خديعة ومكرا يخدع بعضكم بعضا ، وهو قول
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن مردويه من طريق عطاء بن أبي رباح عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٤٣) ، وهو قول عبد الله بن كثير والسدي.
(٣) قاله قتادة ، أخرجه عبد بن حميد وابن جرير (٢١٨٨٠) وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٤٣) ، وهو قول مجاهد وابن زيد.
(٤) قاله سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٤٣) ، وقاله الحسن ، أخرجه ابن جرير (٢١٩٠٥) و (٢١٩٠٦).