الولد ـ امتنع عن منزلته وكرامته ؛ لأن الحقيقة انتفت لعيب يدخل فيه ، فإذا ثبت له منزلة تلك الحقيقة والكرامة دخل فيه عيب الحقيقة](١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) بهذا قيل ما عندكم من حجة على ما تقولون إن له ولدا ؛ لأنهم كانوا أهل تقليد لآبائهم وأسلافهم ، وكانوا لا يؤمنون بالرسل والكتب والحجج ، وإنما يستفاد ذلك من جهة الرسالة والكتب وهم كانوا ينكرون ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أي : تقولون على الله أنه اتخذ ما تعلمون أنه لم يتخذ (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) هو ما ذكرنا أنهم علموا أنه لم يتخذ ولدا ، لكن قالوا ذلك افتراء على الله (لا يُفْلِحُونَ) في الآخرة ؛ لما طمعوا في الدنيا بعبادتهم دون الله الأصنام بقولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، وقوله : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] لا يفلحون ، أي : لا يظفرون بما طمعوا في الآخرة (مَتاعٌ فِي الدُّنْيا) [أي ذلك لهم متاع في الدنيا](٢) ليس لهم متاع في الآخرة.
(ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) : يخاطب رسوله بذلك لم يخاطبهم إلينا مرجعكم ، فهو ـ والله أعلم ـ لما اشتد على رسول الله ما افتروا به على الله يقول : إلينا مرجعهم فنجزيهم جزاء افترائهم. والثاني : يقول : إلينا مرجعهم فنذيقهم العذاب الشديد ، لا ما طمعوا من الشفاعة عندنا والزلفى ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ)(٧٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ) أي : خبره (٣) وحديثه ، (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ).
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في ب.
(٢) سقط في أ.
(٣) لما بالغ في تقرير الدلائل ، والجواب عن الشبه ، شرع في بيان قصص الأنبياء ؛ لوجوه :
الأول : أن الكلام إذا طال في تقرير نوع من أنواع العلوم ، فربما حصل نوع من الملالة ، فإذا انتقل الإنسان من ذلك الفن إلى فن آخر ، انشرح ، ووجد في نفسه رغبة شديدة.
الثاني : ليتأسى الرسول وأصحابه بمن سلف من الأنبياء ؛ فإن الرسول إذا سمع أن معاملة هؤلاء الكفار مع الرسل ما كانت إلا على هذا الوجه ، خف ذلك على قلبه ؛ كما يقال : إن المصيبة إذا عمت ـ