قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ)(٩٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) وهي الحجج.
يحتمل قوله : (بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) واحد ، على التكرار ، فإن كانت الآيات هي الأوامر والنواهي (١) ، وما يؤتى وما يتقى فقوله : (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) هي الحجج والبراهين (٢) على ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) قد ذكرنا أن الملأ هو اسم لشيئين : اسم الجماعة ، واسم الأجلة والأشراف ، وهو كان مبعوثا إلى الأشراف من قومه ، وإلى الجماعة جميعا ؛ خصّ بعثه إلى فرعون وقومه (٣) وإن كان مبعوثا إلى الكل ؛ لما العرف في الملوك أنهم إنما يخاطبون الكبراء منهم والأشراف ، وإن كان [المقصود من الخطاب](٤) الكل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) قال بعضهم : هو ما ذكر في حم المؤمن حيث قال لهم : (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) [غافر : ٢٩] فأطاعوا فرعون في قوله ؛ يقول الله : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) [أي](٥) : يهدي ، أو يقول : ما الأمر الذي عليه فرعون برشيد ؛ بل هو ضلال.
ولكن عندنا أنهم أطاعوا فرعون في جميع أمره ونهيه في عبادة الأصنام وغيره ، وهو ما ذكر : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ) [الزخرف : ٥٤].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) أي : ليس بهدى ؛ بل كان أمره ضلالا ؛ حيث كان هو ضالا مضلا.
__________________
(١) في أ : والمناهي.
(٢) قال الزجاج : السلطان هو الحجة ، وسمي السلطان : سلطانا ؛ لأنه حجة الله في أرضه ، واشتقاقه من السليط الذي يستضاء به ، ومنه قيل للزيت : السليط. وقيل : مشتق من التسليط ، والعلماء سلاطين بسبب كمالهم في القوة العلمية ، والملوك سلاطين بسبب قدرتهم ومكنتهم ، إلا أن سلطنة العلماء أكمل وأبقى من سلطنة الملوك ؛ لأن سلطنة العلماء لا تقبل النسخ والعزل ، وسلطنة الملوك تقبلهما ، وسلطنة العلماء من جنس سلطنة الأنبياء ، وسلطنة الملوك من جنس سلطنة الفراعنة ، وسلطنة الملوك تابعة لسلطنة العلماء.
ينظر اللباب (١٠ / ٥٥٧).
(٣) في أ : وملئه.
(٤) في ب : من القصود خطاب.
(٥) سقط في ب.