قال بعضهم : أي : ينهاكم عما ذكر كله.
(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
وتنتهون عنه ، وقال بعضهم : الموعظة هي التي تلين القلوب القاسية ، وتصرفها إلى طاعة الله ، وقد ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها).
يحتمل أمره (١) بوفاء العهد ، العهود التي يعطي بعضهم لبعض ، أمرهم بوفاء ذلك ، ونهاهم عن نقضها ، ويلزمهم وفاء عهد الله وإن لم يعاهدوا في ذلك ، لكنه ذكر وفاء العهد إذا عاهدوا ونهى عن النقض ؛ لأن ترك وفاء ما عاهدوا ، ونقض ما أعطوا على ذلك شرطا أقبح وأفحاش مما لم يعاهدوا ، وهو كقوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) [المائدة : ٧] ؛ ترك الوفاء ونقضه بعد قولهم : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) : أفحاش ، وأفحاش من نقضه إذا لم يكن لهم عهد سابق وشرط متقدم ، وهذا ـ والله أعلم ـ معنى أمره بوفاء العهد إذا عاهدوا ، وإن كان وفاء العهد لازما لهم ، وإن لم يعاهدوا ؛ إذ جعل الله البشر بحيث يقبلون الحكمة والمحنة ، وجعل بنيتهم وخلقتهم بحيث يقدرون على القيام بذلك ، كقوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها ...) الآية [الأحزاب : ٧٢] ، أي : أبي خلقتهم وبنيتهم ، أي : لم يجعل خلقة هذه الأشياء وبنيتها [بحيث](٢) تحتمل ذلك ، (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) ، أي خلقته وبنيته تحتمل ذلك والقيام بها ، وتحتمل أن تكون العهود التي أمر بوفائها إذا عاهدوا على الأيمان التي يقيمون بها ، حيث قال : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) : ذكر الأيمان ونهى عن نقضها ، ثم لا يحتمل أن يكون النهي عن النقض في الأيمان التي يأثم بها المرء إذا حلف ؛ لأنه نهى عن نقضها ، ولو كان يأثم بعقدها لكان لا ينهى عن نقضها ؛ لأن الأيمان التي يأثم بها المرء إذا حلف [يؤمر](٣) بنقضها أو لا يؤمر بوفائها وحفظها ، ثم ذكر فيه بعد توكيدها ، ولم يسغ نقض اليمين ، وإن لم يؤكدها إذا لم يكن في الوفاء بها إثم ، لكنه ذكر التوكيد ؛ لأن النقض بعد ذلك أقبح وأفحاش من النقض على غير التوكيد ؛ على ما ذكر (٤) من القبح والفحاش في بعض العهود بعد ما عاهدوا.
وقال بعضهم : قوله : (بَعْدَ تَوْكِيدِها) هو حلفهم بالله ؛ لأن مشركي العرب كانوا لا
__________________
(١) في أ : أمرها.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : ذكرنا.