وكذلك هذه المصائب والبلايا التي تحل بالخلق ، هي في الحقيقة نعمة ورحمة ؛ ولذلك عدها وسماها بعض الناس ؛ لما تعقب من الثواب والنعمة إذا صبر عليها ، ورأى ذلك منه حقّا وعدلا ، ورأى حال الضراء والسراء منه ؛ فهو بطيب نفسه في جميع الأحوال تنصرف به من الشدة والضيق ، فإذا رأى نعمة ، لما تعقب من الخير والنفع في العاقبة ـ فمن هذه الجهة يجوز أن يقال : ذلك نعمة ورحمة ، وأمّا في ظاهر الحال فلا ؛ وذلك أن كل بلاء ينزل (١) بأحد ، فصبر عليه كان في ذلك خصال أربعة :
أحدها : تكفير ما كان ارتكب من المعاصي.
والثاني : معرفة العبودة وملك غيره عليه.
والثالث : ما يعقب من الثواب والنعيم الدائم.
والرابع : معرفة النعم من الشدة ؛ [لأنه بالشدة](٢) يعرف النعم.
وأمّا الإحسان إلى نفسه : فهو أن يحفظها عما فيه هلاكها.
وقوله : (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ).
هو ما يكبر ويفحش (٣) من الشيء.
(وَالْمُنْكَرِ).
هو الشيء الغريب الذي لا يعرف ؛ ألا ترى إلى قول إبراهيم : (سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) [الذاريات : ٢٥] ؛ سماهم منكرين لما لم يعرفهم ؛ فالمنكر : ما يفعل من هو معروف بالخير والصلاح من الزلات لما يكون ذلك منهم غريبا ؛ إذ لم يعرفوا بذلك ، فذلك منهم [منكر](٤).
(عَنِ الْفَحْشاءِ).
ما يكون من أهل الفساد والشرور ، وذلك مما يكبر ويفحش ذلك منهم.
(وَالْبَغْيِ).
هو الظلم ، ويحتمل أن يكون هذا كله المنكر والفحشاء والبغي وكله واحد : الفحشاء هو المنكر ، والفحشاء هي البغي ، والمنكر هو الفحشاء والبغي ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَعِظُكُمْ).
__________________
(١) في ب : ينزله.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : بفحاش.
(٤) سقط في أ.