البشر ، وألّا شريك لله ، فبدا للأتباع ما كان الرؤساء يخفون في الدنيا.
ويحتمل : وبدا لهم من صنيعهم ما قد أسروه وأضمروه في أنفسهم ظنوا أنه لا (١) يطلع على ذلك أحد ، وذلك كقوله : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) [الطارق : ٩] ، وقوله : (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) [العاديات : ١٠] وغير ذلك.
ويحتمل : ما كانوا يخفون من الخلق ، أو بدا لهم ذلك بالجزاء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ رُدُّوا) أي : إلى ما تمنوا أن يردّوا إليه.
(لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ).
أخبر الله عن علمه بما قد أسروه في ذلك الوقت إنما كان في علمه أن يكون ، وإن كان من حكمه ألا يردوا في ذلك [و] أن الآية لا تضطر (٢) صاحبها ، ولا قوة إلا بالله.
وقال قوم : إن الخلود يلزم في النار بما (٣) هم في علم الله أنهم يلزمون ما هم عليه لو مكثوا للأبد.
وقال قوم : لم يجز لزوم العذاب بما يعلم الله من العناد من أحد لو امتحن بلا محنة ولا خلاف ، فعلى ذلك أمر الخلاف ، لكن الآية في خاص منهم ، وهم الذين اعتدوا [وعاندوا](٤) الحق بعد الوضوح ، على ما ذكر في كثير من الكفرة أنهم لا يؤمنون أبدا ، ثم أمهلهم على ذلك ، وهذا يبين أنه ليس يمنع الإعادة لما يعودون له لو كان يحتمل في الحكمة الإعادة (٥) ؛ إذ قد أمهل وأبقى على العلم بذلك ، فعلى ذلك الإفادة ، لكنه أخبر عن تعنتهم.
ثم ظنت المعتزلة أن الله لو علم أنهم يؤمنون لردهم إلى ذلك [و] إذ بين أنهم لا يؤمنون فيستدلون بهذا على أنه ليس لله قبض روح من يعلم أنه لو لم يقبضه يؤمن يوما من الدهر وقد بينا نحن أن ذلك لا يجب ، وإن كان أولئك في علم الله لن يعودوا إلى ذلك بما قد يترك في الدنيا من يعلم أنه يلزم الكفر ، وينجي عن المهالك من يعلم أنه يعود ، ثم قد يترك من يعود إلى الكفر على وجود ما به النجاة عنه ، والله أعلم.
وبعد ، فإن الله ـ تعالى ـ قال : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٢٧] فبين أنه لم يبسط لئلا يبغوا ، وقال : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ
__________________
(١) في أ : ألا.
(٢) في أ : يضطر.
(٣) في ب : مما.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : الإفادة.