__________________
ـ يكون جسما وكل جسم مركب والتركيب الخارجي ينافي الوجوب الذاتي ، وأيضا فقد ثبت أن كل جسم محدث ؛ فيلزم حدوث الواجب ، وربما يقال في إبطال الشق الثاني : لو كان الواجب تعالى جسما لقام بكل جزء منه علم وقدرة وحياة مغايرة لما قام بالجزء الآخر ضرورة امتناع قيام العرض الواحد بمحلين ؛ فيكون كل واحد من أجزائه مستقلا بكل واحد من صفات الكمال ؛ فيلزم تعدد الآلهة ، وهذا المستدل يلتزم أن الإنسان الواحد قادرون أحياء ؛ لكيلا ينقص دليله بالإنسان لجريانه فيه ، وهذا الاستدلال ضعيف جدا ؛ لجواز قيام الصفة الواحدة بالمجموع من حيث هو مجموع ؛ فلا يلزم ما ذكر من المحظور ، وقد استدل على نفي المكان عنه تعالى بأنه لو كان متحيزا لكان مساويا لسائر المتحيزات في الماهية ؛ فيلزم حينئذ إما قدم الأجسام أو حدوثه ؛ لأن المماثلات تتوافق في الأحكام كالعدم والحدوث هاهنا.
وهذا الدليل مبني على تماثل المتحيزات بالذات ، ولا يخفى أن إثبات استلزام التحيز للتماثل في الجواهر المتماثلة حتى يتحقق أن التماثل في الأحكام ممنوع.
وعلى فرض تسليم ذلك لا يلزم الاتحاد في القدم والحدوث ؛ لأنهما من اللوازم الخارجية وربما يقال : لو كان متحيزا لساوى الأجسام في التحيز ، ولا بد من أن يخالفها بغير ؛ فيلزم التركيب في ذاته ، وفيه : أن الاشتراك والتساوي في العوارض لا يستلزم التركيب.
مذهب المخالفين وشبههم والرد عليها :
اتفق المشبهة على أنه تعالى في جهة الفوق ، ولكن اختلفوا فيما بينهم :
فذهب بعضهم إلى أنه تعالى فيها ليس ككون الأجسام ، وعلى هذا يكون النزاع بينهم وبين أهل الحق لفظيّا ؛ لأن الإطلاق اللفظي متوقف على ورود الشرع به.
وذهب آخرون إلى أن كونه في الجهة ككون الأجسام ، فهو فيها بحيث يشار إليه بها هنا أو هناك ، ثم اختلف هؤلاء : فمنهم من قال : إنه غير مماس للعرش بل محاذ له بعيد عنه بمسافة متناهية ، وقال الهيضمي : بمسافة غير متناهية. وهذا ليس بمعقول ؛ لأن المسافة على هذا بين حاصرين ، فكيف يعقل عدم تناهيها؟! ومنهم من قال : إنه مماس للصفحة العليا من العرش ، ويجوز عليه الحركة والانتقال وتبدل الجهة ، وإلى هذا ذهب محمد بن كرام ، وعليه اليهود حتى قالوا : إن العرش يئط من تحته أطيط الرحل الجديد تحت الراكب الثقيل ، وقالوا : إنه يفصل عن العرش من كل جهة بأربعة أصابع ، وزاد بعض المشبهة كمضر وكهمس وأحمد الهجيمي أن المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة.
شبه المخالفين :
اجتمع المخالفون على إثبات الجهة والمكان بوجوه عقلية ونقلية :
الوجه الأول : ضرورة العقل تجزم بأن كل موجود فهو متحيز أو حال فيه ؛ فيكون مختصا بجهة ومكان أصالة أو تبعا ، ونظم الدليل هكذا : لو لم يكن الباري تعالى في جهة ومكان لما كان موجودا ، والتالي ـ وهو عدم كونه موجودا ـ بديهي البطلان ، أما الملازمة فلأن ضرورة العقل تجزم بأن كل موجود متحيز أو حال في متحيز ؛ فيكون مختصا بجهة ومكان أصالة أو تبعا. والجواب : منع الضرورة العقلية ، وإنما ذلك حكم الوهم بضرورته ، وأنه غير معقول فيما ليس بمحسوس ، وكيف يكون هذا ضروريّا مع إطباق الجمع العظيم ـ وهو ما سوى الكرامية والحنابلة ـ على خلافه ، وربما يستعان في تصور موجود لا حيز له أصلا بالإنسان الكلي المشترك بين أفراده وعلمنا به ؛ فإنهما موجودان وليسا متحيزين قطعا.
أما الأول فلأنه لو كان متحيزا أو حالا فيه لاختص بمقدار معين ووضع مخصوص ؛ فلا يطابق الأفراد المتباينة المقادير والأوضاع فلا يكون مشتركا بينهما فلا يكون كليا ، وقد فرض أنه كلي ، ـ