وقال بعضهم : الفواحش هن الكبائر ، والإثم هو الصغائر ، والبغي هو أخذ (١) ما عصم من مال أو نفس (٢) بعقد الإسلام ، على ما روي عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أمرت أن أقاتل الناس ؛ حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» (٣) ، فكل ما صار معصوما بالإسلام من مال أو نفس ، فأخذ ذلك بغي (٤) وظلم إلا ما ذكر بحقها.
وأصل البغي هو المجاوزة عن الحدّ الذي جعل له.
وقال أهل التأويل (٥) : الفواحش هي الزنى ، ما ظهر منها علانية ، وما بطن منها : سرّا ، لكن الفواحش ما ذكرنا أن ما [ظهر قبحه](٦) في العقل وفحشه (٧) السمع [فهو فاحشة ، والفواحش هي ما ذكرنا أن ما قبح في العقل والسمع وأفحش فيهما](٨) فهي الفاحشة.
وأصل المنكر : كل ما [لا](٩) يعرف ؛ كقول إبراهيم : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) [الحجر : ٦٢] ، والمنكر : ما أنكره العقل والسمع أيضا.
__________________
ـ والباطل بين ، وبين ذلك أمور مشتبهات ، ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه» ، ولأن البغي قد يكون محمودا ومذموما ، قال تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ)[الشورى : ٤٢] ، فخص العقوبة بمن بغيه بغير الحق.
قال الحباني : أصل البغي الحسد ، وسمي الظلم : بغيا ؛ لأن الحاسد ظالم. قلت : هو داخل في قولنا : مجاوزة الحد ؛ لأن الحاسد تجاوز ما ليس له. واستدل على أن البغي : الحسد ، بقوله : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ)[آل عمران : ١٩]. وقيل : البغي : الاستطاعة على الناس والكبر. ومنه قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ)[الأعراف : ٣٣].
ينظر : عمدة الحفاظ (١ / ٢٤٣ ، ٢٤٤) ، وكشف الخفاء (١ / ٤٣٨) ، والفتح الكبير (٢ / ٨٢) ، والنهاية (٢ / ١٩٤).
(١) في أ : ما أخذ.
(٢) في أ : تفسر.
(٣) أخرجه البخاري (٣ / ٣٠٨) كتاب : الزكاة ، باب : وجوب الزكاة (١٣٩٩) وفي ١٢ / ٢٨٨ كتاب : استتابة المرتدين (٦٩٢٤) ، وفي (١٣ / ٢٦٤) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٢٨٤) ، ومسلم (١ / ٥٢) كتاب : الإيمان ، باب : الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله (٣٣ / ٢١).
وفي الباب عن ابن عمر وأنس بن مالك.
(٤) في أ : بفيء.
(٥) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٥١) وعزاه لأبي الشيخ عن ابن عباس ، وأبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٢٩٤) ونسبه لمجاهد.
(٦) في أ : قبح.
(٧) في أ : وفحش.
(٨) سقط في أ.
(٩) سقط في أ.