أي : وقد كنا عن دراستهم لغافلين ، ويجيء أن يكون عن دراستها (١) ؛ لأنها دراسة الكتب ، لكن أضيف إليهم ، أي (٢) : أولئك القوم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ).
هو على ما ذكرنا (٣) لئلا تقولوا : لو أنا أنزل علينا الكتاب.
(لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ).
أنزل الله ـ عزوجل ـ هذا القرآن ؛ قطعا لحجاجهم ، ومنعا لعذرهم ، وإن لم يكن لهم الحجاج والعذر ، وعلى ذلك يخرج قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء : ١٦٥] ، لا يكون لهم حجة على الله ، وإن لم ينزل الرسل والكتب.
ثم يحتمل عذر هؤلاء أن يقولوا : إنما أنزل الكتاب بلسانهم ، لم ينزل بلساننا ، ونحن لا نعرف لسانهم ، وكنا عن دراستهم لغافلين ، ولو كان لهم العذر والاحتجاج بهذا ، لكان للعجم الاحتجاج والعذر في ترك اتباع القرآن ؛ لما لم ينزل بلسان العجم ، ولم يعرفوا هم لسانهم ، أعني : لسان العرب ، ثم لم يكن للعجم الاحتجاج بذلك ؛ لما جعل لهم سبيل الوصول إلى معرفته ؛ فعلى ذلك لا عذر للعرب في ترك اتباع ما في الكتب التي أنزلت بغير لسانهم ؛ لما في وسعهم الوصول إلى معرفتها ، والتعلم منهم ، والأخذ عنهم ، وهذا يدل على أنه يجوز التكليف بأشياء ليست معهم أسبابها ، بعد أن جعل لهم سبيل الوصول إلى تلك الأسباب.
والثاني : من احتجاجهم أن يقولوا : إن اليهود والنصارى قد اختلفت وتفرقت تفرقا لا اجتماع بينهم أبدا ، فكيف نتبعهم في ذلك؟!
فيقال : إن مذاهبهم وكتبهم إنما تفرقت بهم وبقولهم ، فقد أنزل من الحجج والبيان ما يعرف ذلك الذي تفرق بهم ، فلا حجة لهم في ذلك ؛ وهذا كقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها) [الأنعام : ١٠٩] وقد جاءتهم آيات فلم يؤمنوا [بها](٤) ؛ فعلى ذلك قوله : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) [١٥٦] وقوله : (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ).
وفي الآية دلالة على أن المجوس (٥) ليسوا من أهل الكتاب ؛ لأنهم لو كانوا أهل كتاب
__________________
(١) في أ : دراستهم.
(٢) في ب : إلى.
(٣) في ب : ذكر.
(٤) سقط في أ.
(٥) يقال : تمجس الرجل ، وتمجسوا أي صاروا مجوسا ، ومجّسوا أولادهم صيروهم كذلك ، ومجسه غيره. ـ