__________________
ـ دين من الأديان.
وأما نكاح الأخوات ، فنقل أنه كان مباحا في زمن آدم ؛ لضرورة التناسل ، وبقاء النوع ، ثم لما كثر النسل وانتفت الضرورة صار حراما.
ثم إن الأم في اللغة : الأصل ، قال الله تعالى : (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)[الرعد : ٣٩] فكل امرأة رجع نسبك إليها بالولادة من جهة أبيك أو أمك بدرجة أو بدرجات ، سواء رجعت إليها بذكور أم بإناث فهي أمك.
وقد استدل المسلمون على أن ذلك حرام بالنقل والعقل :
أما النقل : فقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ)[النساء : ٢٣].
وقال بعضهم إن هذه الآية لا تدل على تحريم نكاح الأمهات ، وذلك لأن التحريم في الآية أضيف إلى الأمهات ، والتحريم لا يمكن إضافته إلى الأعيان ، وإنما يمكن إضافته إلى الأفعال ، وذلك الفعل غير مذكور في الآية ، فكما يحتمل أن يكون المراد منه النكاح يحتمل أن يراد منه الأكل أو الجلوس ، فإذا تعين أن يكون المراد منه النكاح دون غيره بلا مرجح ـ كان تحكما وترجيحا بلا مرجح.
فيجاب عنه أولا : بأن هناك مرجحا ؛ إذ تقدم قبل هذا قوله عزوجل : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ...)[النساء : ٢٢] الآية.
فهذه قرينة دالة على أن المراد النكاح.
وثانيا : أن هذا معلوم من الدين بالضرورة ، فلا وجه للتنصيص عليه ؛ لأن الأصل في ذلك أن الحرمة أو الإباحة إذا أضيفتا إلى الأعيان ، فالمراد الفعل المطلوب منهما في العرف.
وقد ورد على هذه الآية أيضا أنها ليست نصّا في تحريم الأمهات على سبيل التأبيد ، فإن القدر المذكور في الآية يمكن تقسيمه إلى المؤبد والمؤقت ، كأن الله ـ تعالى ـ يقول تارة حرمت عليكم أمهاتكم إلى الوقت الفلاني فقط ، وتارة أخرى يقول : حرمت عليكم أمهاتكم مؤبدا.
وإذا كان القدر المذكور صالحا لأن يجعل موردا للتقسيم ، لم تكن الآية نصّا في التأبيد.
فيجاب عنه أولا : بأن التحريم الذي ورد في الآية ورد مطلقا ، فينصرف إلى الفرد الكامل منه ، وهو التأبيد حتى يرد دليل على التأقيت ، ولا دليل.
ثانيا : أن من يلاحظ الدليل العقلي ، وأن ذلك المنع لعلة وأنها لا تزال مستمرة إلى الأبد ـ فهم التأبيد.
وأما العقل : فلأن ذلك يفضي إلى قطع الرحم ، وقطع الرحم حرام ؛ وذلك لأن النكاح لا يخلو من مباسطات تجري بين الزوجين عادة وبسببها تجري الخشونة بينهما ، وهذه تفضي إلى قطع الرحم.
وأما الجدات سواء أكن من قبل الأم أم الأب ، وسواء كانوا أقارب أم أباعد فإن الأئمة اتفقوا على تحريم نكاحهن وذلك إما بالنص ؛ لأن اللغة تقول : (أم كل شيء أصله) فأم القرى مكة ؛ لأنها توسطت الأرض فيما زعموا ، أو لأنها قبلة الناس يؤمونها ، أو لأنها أعظم القرى شأنا.
وأم الكتاب أصله ، أو اللوح المحفوظ.
ومنه قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «الخمر أم الخبائث».
أي : أصلها ، فالأم على هذا من قبيل التواطؤ.
ويصح أن يكون تحريم الجدات بدلالة النص لأن الله تعالى حرم العمات والخالات ، وهن أولاد الجدات ؛ فكانت الجدات أقرب إلينا منهن ؛ فكان تحريمهن تحريما للجدات من باب أولى ؛ كتحريم التأفيف نصّا يكون تحريما للضرب والشتم دلالة. ينظر المحرمات من النساء لمحمد البشير الشندي.