وقوله ـ عزوجل ـ : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً).
أي : برّا بهما.
فإن قيل : قال ـ تعالى ـ : (أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) ، وهاهنا يأمر بالإحسان إليهما (١) ، ولم يذكر المحرم؟
قيل : في الأمر بالإحسان إليهما تحريم ترك الإحسان ؛ فكأنه قال : حرم عليكم ترك الإحسان إلى الوالدين ، وفرض عليكم برهما والإحسان إليهما.
ثم فيه : إنكم تعرفون بالعقل أن الإحسان [إلى الوالدين واجب (٢) ، والإساءة إليهما حرام (٣) عليكم ، ولم يكن منهما إليكم من الإحسان أكثر ممّا كان من الله إليكم](٤) ، فكيف تختارون الإساءة إلى الله والإشراك في عبادته غيره ، ولا تختارون الإساءة إلى الوالدين؟! بل تختارون الإحسان إليهما.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ).
إنهم كانوا يقتلون أولادهم خشية الفقر والفاقة ، فهو مما حرم عليهم ، وهذا يدل على أن الحظر في حال لا يوجب الإباحة في حال أخرى ؛ لأنه قال : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ
__________________
ـ متعلقة ب (حرم) ، وأجاز الزجاج كون (ما) استفهامية منصوبة ب «حرم» والجملة محكية ب (أتل) لأنه بمعنى أقول وعلى ذلك ف (أن) وما بعدها في موضع رفع خبر ل (هو) محذوف ، والله أعلم.
(١) في ب : إليهم.
(٢) الواجب هو الفعل الذي طلبه الشارع طلبا جازما سواء ثبت بدليل قطعي أو ظني هذا عند الجمهور وأما عند الحنفية فيختلف الفرض والواجب ، فالفرض عندهم ما ثبت وجوبه بدليل مقطوع به والواجب : ما ثبت لزومه بدليل فيه شبهة العدم.
ينظر ميزان الأصول (١ / ١٢٨) ، المستصفى (١ / ٦٦) ، كشف الأسرار (١ / ٣٠١) ، جمع الجوامع (١ / ٨٨).
(٣) الحرام ، والمحرم ، والنهي ـ على خلاف ما يذكر في حد الفرض والواجب القطعي.
بمعنى : أن من قال في حد الواجب : ما يأثم لتركه ، يقول في حد الحرام : ما يأثم لفعله.
ومن قال في حد الواجب : ما أوعد على تركه. يقول في حد الحرام : ما أوعد على فعله ... إلى آخر ما تكلموا فيه.
وقيل : المحرم ما حرم فعله.
وقيل : ما منع من فعله ، وقد ثبت المنع بدليله من النهي والخبر عن الحرمة.
ولكن إنما يصح هذا الحد على قول من يقول بتحريم الأفعال دون الأعيان فيجب أن يذكر على الإطلاق حتى يصح هذا التحديد بالاتفاق ،
فيقال : المحرم : هو الممنوع شرعا حتى يدخل تحته الأفعال والأعيان.
ينظر : ميزان الأصول في نتائج العقول في أصول الفقه ، د. عبد الملك السعدي (١ / ١٤٦ ـ ١٤٧).
(٤) سقط في ب.