الرسل ، ولا الكتب ، ولا كانوا آمنوا برسول ولا كتاب ، فقالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) [الفرقان : ٢١] ونحوه من السؤال ، فيسألون إنزال الملك.
ثم يحتمل سؤالهم إنزال الملك لما لم يكونوا رأوا الرسل يكونون من البشر ، وإنما رأوا الرسول إن كان يكون ملكا ، فقالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) [الفرقان : ٢١].
ويحتمل أن يكون سؤالهم إنزال الملك سؤال عناد وتعنت ، لا سؤال طلب الرسول من الملائكة ، فقال : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً) على ما سألوا (لَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي أن الملك إذا نزل على إثر سؤال العناد والتعنت ينزل بالعذاب والهلاك ، فهذا يبين أن سؤالهم سؤال تعنت وعناد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) أي أنهم كانوا يسألون إنزال الملك آية لصدقه ـ عليهالسلام ـ فقال : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) أي : يهلكون ؛ لأن الآيات إذا نزلت على إثر سؤال القوم ثمّ خالفوا تلك الآيات وكذبوها لنزل بهم العذاب والهلاك ، وإن جاءت الآيات على غير سؤال ، فكذبوها يمهلون ، ولا يعذبون عند تكذيبهم إياها ، [و](١) الله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) :
قيل : آدميّا بشرا (٢) ، [و] يحتمل (٣) هذا وجوها :
[أحدها](٤) : أي : لو بعثنا الرسول ملكا لجعلناه على صورة البشر ؛ لأنه لو كان على صورة الملائكة لصعقوا ودهشوا ؛ لأنه ليس في وسع البشر رؤية الملك على صورته.
ألا ترى أن جبريل (٥) ـ عليهالسلام ـ إذا نزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم ينزل على صورته ، ولكن كان ينزل على صورة البشر (٦) ، حتى ذكر أنه كان ينزل عليه (٧) على صورة
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه ابن جرير (٥ / ١٥٢) (١٣٠٨٨) (١٣٠٨٩) (١٣٠٩٠) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٩) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبي الشيخ عن قتادة.
(٣) في ب : محتمل.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : جبرئيل.
(٦) قال العلماء رضي الله تعالى عنهم : كان الوحي ينزل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أحوال مختلفة :
الأولى : الرؤيا الصادقة في المنام ، قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ)[الصافات : ١٠٢] فدل على أن الوحي كان يأتيهم في المنام كما كان يأتيهم في اليقظة. وفي الصحيح عن عبيد بن عمير : رؤيا الأنبياء وحي» وقرأ هذه الآية.
الثانية : أن ينفث الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «إن روح القدس نفث في روعي : لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله ؛ فإن ما عند الله لن ينال إلا بطاعته». رواه ابن أبي الدنيا في كتاب ـ