ومن قرأ بالنصب (١) يقول : لقد تقطع ما كان بينكم (٢) من الوصل.
يخبر عزوجل عن قطع ما كان بينهم من التواصل ، وتعاون بعضهم بعضا في هذه الدنيا ، أنهم كانوا يتعاونون ويتناصرون بعضهم بعضا ـ يخبر أن ذلك كله ينقطع في الآخرة ، ويصير بعضهم أعداء بعض ، ويتبرأ بعضهم من بعض ؛ كقوله : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) [البقرة : ١٦٧] ؛ وكقوله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : ٦٧] ؛ وكقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً) [الأحقاف : ٦] ؛ وكقوله : (سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) [مريم : ٨٢] الآية ؛ يصير المعبودون أعداء للعابدين ، والعابدون أعداء للمعبودين ، وتصير الوصلة والمودة التي فيما بينهم في
__________________
ـ وَبَيْنِكَ)[الكهف : ٧٨] قال : (وقد سمعناه في غير موضع من أشعارها) ثم ذكر ما ذكرته عن أبي عمرو بن العلاء ، ثم قال : (وقرأها الكسائي نصبا) ، وكان يعتبرها بحرف عبد الله : (لقد تقطع ما بينكم).
وقال الزجاج : والرفع أجود ، والنصب جائز ، والمعنى : لقد تقطع ما كان من الشركة بينكم.
الثالث : أن هذا الكلام محمول على معناه ؛ إذ المعنى : لقد تفرق جمعكم وتشتت.
ينظر اللباب في علوم الكتاب (٨ / ٢٩٨ ـ ٣٠١) والدر المصون (٣ / ١٣٠) ، والكشاف (٢ / ٤٧) ، والكتاب (١ / ١٠٠) ، ومعاني القرآن (٢ / ٣٠٠) ، والحجة (٣ / ٣٥٨ ، ٣٥٩) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٣٢٥) ، والبحر المحيط (٤ / ١٨٦).
(١) والقراءة بالنصب ، فيها مذهبان :
أحدهما : أنه أضمر الفاعل في الفعل ودل عليه ما تقدم في قوله :
(وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) [الأنعام : ٩٤]
ألا ترى أن هذا الكلام فيه دلالة على التقاطع والتهاجر ، وذلك أن المضمر هو (الوصل) ، كأنه قال : لقد تقطع وصلكم بينكم.
وقد حكى سيبويه أنهم قالوا : (إذا كان غدا فائتني) فأضمر ما كانوا فيه من بلاء ورخاء لدلالة الحال عليه فصار دلالة الحال عليه بمنزلة جري الذكر وتقدمه.
والمذهب الآخر : انتصاب (البين) في قوله (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ)[الأنعام : ٩٤] على شيء يراه أبو الحسن ، وهو أنه يذهب إلى أن قوله (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) إذا نصب يكون معناه معنى المرفوع ، فلما جرى في كلامهم منصوبا ظرفا تركوه على ما يكون عليه في أكثر الكلام ، وكذلك يقول في قوله : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) [الممتحنة : ٣].
وكذلك يقول في قوله : (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن : ١١] ف (دون) في موضع رفع عنده ، وإن كان منصوب اللفظ ، ألا ترى أنك تقول : منا الصالح ومنا الطالح ، فترفع.
فالمسألة من باب التنازع ، تنازع (تقطع) (وضل) على (ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [الأنعام : ٩٤] فأعمل الثاني وهو ضل وأضمر في (تقطع) ضمير (ما) وهم الأصنام والمعنى : تقطع بينكم ما كنتم تزعمون وضلوا عنكم.
وزاد الألوسي وجها آخر ، وهو أن الفاعل ضمير المصدر والتقدير : وقع التقطع بينكم.
ينظر إملاء ما من به الرحمن (١ / ٢٥٤) البحر المحيط (٤ / ١٨٢ ـ ١٨٣) وروح المعاني (٧ / ٢٢٥).
(٢) في ب : منكم.