أي : إلى عبادته تدعونني ، أي : هذا ربي الذي تدعونني (١) إلى عبادته ، فلما رآه طالعا سائحا (٢) غائبا ثبت عنده أنه سخر ، فقال : لا أحب عبادته ، لكن ذا قد يكون في خاص نفسه متفكرا في الذي دعوه إليه ؛ ليعرف دفع قولهم من الوجه الذي يقر ذلك في القلوب إذا قابلهم به.
وقد يكون في ملأ منهم يظهر لهم قوله : (هذا رَبِّي) على إضمار : تدعونني إليه ؛ ليلزمهم بما بان له فساد الربوبية ، فيكون استدراجا أيضا ؛ لأنه ألزمهم بعد ظهور الوفاق منه لهم.
وقد يكون ذكر هذا الذي تدعونني إليه أنه ربي سرا ، ويهزأ بهم بإظهار الموافقة ، يبين لهم ذلك بما ألزمهم أن الابتداء لم يكن على المساعدة ؛ إذ ذلك [المعنى](٣) الذي به ألزم كان ظاهرا عنده في الابتداء وعندهم جميعا.
والثاني : أن يكون قوله : (هذا رَبِّي) على ما يقال : هذا فلان الذي تخبرونني عنه ، بمعنى : أهذا هو؟! على إنكار أنه ليس بالمحل الذي أخبرتموني عنه ، أو على الاستفهام ليقرره عنده.
وأي الوجهين كان فقد هزئ بهم ، وظهر في المتعقب أن الأول كان على الهزء بهم والإنكار ، أو الاستفهام ؛ وذلك كقوله : (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) [الرعد : ١٦] على أنهم لم يخلقوا كخلقه ، يوضح قوله : (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) في الأول : (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ).
ويجوز أن يكون هذا أضمر (٤) في قوله : (هذا رَبِّي) ، أي : رب هذا ربي (٥) إلى آخر ما ذكر ، ثم رجع إليه [عند التقرير](٦) عندهم أنه لا يليق بالربوبية الذي ظنوا أنه ساعدهم عليه.
ثم قد بينا الدليل على أنه لم يكن كافرا في ذلك الوقت مع ما قد ثبت من عصمة الرسل عن الكبائر ، فكيف يبلون بالكفر والله يقول : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] وكل متمكن فيه الكفر شريك أمثاله ، فلا وجه لتخصيص الأهل.
ثم جملة ذلك أن الله تعالى لو أراد أن يبين حقيقة الحال ، أو كانت بنا إلى معرفة
__________________
(١) في أ : يدعونني.
(٢) في ب : سابحا.
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : يضم.
(٥) في ب : قولي.
(٦) سقط في أ.